[email protected]
- تتعدد تعريفات الحوكمة كمفهوم تبعا لاختلاف مجال تطبيقه، غير ان مضمونه يؤكد على سيادة النظم والقوانين في مجال العمل لضمان منتجات ذات جودة اعلى سواء، فالحوكمة هي اخضاع المنتج لسلسلة من الأجراءات والعمليات التشريعية والتنظيمية ذات الطبيعة الميكانيكية، وبالرغم من أهمية المفهوم وتطبيقه في القطاعات والمجالات التي هي في امس الحاجه اليه، الا ان المبالغة فيه واخضاع المنتج في كل صغيرة وكبيرة لمفهوم الحوكمة قد يؤتي بنتائج عكسية وربما كانت العمارة أوضح مثال على ذلك.
- البيئة العمرانية هي نتاج سلسلة من عمليات الحوكمة أكثر منها نتيجة لعملية تصميم معماري مستقل بعينه، ولنأخذ المجاورات السكنية كمثال، هناك أولا مساحات الأراضي التي تقام عليها الوحدات السكنية، هذه المساحات صغيرة قياسا الى الامكانات الجبارة لقطاع الاسكان أذا ما تم اعادة التفكير في مساحات الاراضي.
- البناء السكني هو قبل كل شيء نتاج عقاري في الاساس وبالتالي فأن الارتقاء بجودة المنتج السكني مرهون بالنظر في مساحات الأراضي وآليات تخطيط المجاورات السكنية، ان مساحات الأراضي وآليات التطوير المتعلقة بالاسكان وهي هنا تدخل تحت مظلة العقار هي نوع من الحوكمة، وهي حوكمة متأصلة غير مكتوبة تهدف أولا وآخرا الى الكسب الاقتصادي قبل اي شيء آخر.
- ضمن هذا النوع من الحوكمة العقارية تنمطت المساكن والحارات واصبحت المدينة الواحدة تكرارا لوحدات سكنية محوكمة عقاريا وقد أدركت رؤية 2030 هذا وحري بقطاع العقار أن يعالجه.
- قبل أن يرسم المعماري خطا واحدا فانه يضع نصب عينيه الشروط التي تأتيه بدءا باشتراطات الأمانة، فالدفاع المدني، فمتطلبات الكود، هنا وبدلا من أن يبدع المعماري في انتاج عمل يشفي غليله ويحقق أمنيات صاحبه يصبح همه الأول تلبية تلك الشروط والمتطلبات قبل اي شيء آخر، هنا انزوى ما تعلمه المعماري في دراسته الجامعية الى الظل في هكذا وضع، لا تسأل عن الابداع فقد هرب من الشباك وأصبحت المهمة الان التكيف مع تلك المتطلبات والاشتراطات.
- المنزل لدينا اصبح محفوظا عن ظهر قلب من نسب الارتداد الى مدخل المنزل فمجلس الضيوف ومقلطهم فصالة جلوس تفضي الى درج يؤدي الى الدور الثاني حيث غرف النوم، كل ذلك في مساحة محدودة بفعل حوكمة العقار وضمن هذه السياقات المحوكمة ماذا تتوقع من المعماري أن يصنع.
- هناك حلول أخرى كالارتفاع بالبناء وتقليل أو الغاء نسب الارتداد وتخصيص مساحات للحدائق الخارجية وأفنية ان سمحت المساحة بذلك وغيرها كثير، غير أن كل هذه البدائل معطلة لانها تخالف الاشتراطات، البناء أيا كان نوعه ثقافة واذا ماأردنا مساكن جديدة كلية وجب علينا اعادة النظر في منظومة البناء كلية بدءا من مساحة الأرض وصولا الى شكل مفتاح البيت.
- لنعلم جميعا أنه مالم تتضاعف مساحات الأراضي سيبقى المسكن لدينا أقرب الى مجرد مأوى من الخرسانة وليس منزل العمر ولقد أدى صغر مساحات الأرض الى انتشار ما أصبح يعرف بالدوبلكس الذي اصبح منتجا رئيسيا لقطاع السكن، هذا المنتج السكني أشبه بجسد واحد ذي رأسين، انه منتج عقاري ليس الا والعمارة منه براء.
- وبالرغم من ان كل مجتمعات العالم تبني دوبلكسات وشققا سكنية الا ان هذه المنتجات ليست الأفضل لمجتمع لم يمر بتغيرات اجتماعية عميقة كمجتمعنا، المسكن يعني السكون والراحة، ترى هل حققت هذه المنتجات مبتغى ساكنيها؟ إسألوهم.
* أستاذ العمارة والفن بجامعة الأمام عبدالرحمن بن فيصل