@hana_maki00
- واستكمالاً لفكرة «النظام الجديد» التي بدأتها في المقال السابق، نعود لنكملها هنا لمعرفة اختلاف التوجهات وضبابية الاحداث وبالتالي التوقعات التقديرية فيما يتعلق بالاقتصاد.
- لِم؟ وكيف؟ بات الوضع بهذه الفوضى؟ على الرغم من تقدم العلم ووسائله؟ وعلى الرغم من تفوق الاجيال المتعلمة فيه؟، لقد بات اكثر ضبابية. لم تعد هناك منطقية في الأمور التي كانت تقليدية، فكل شيء قابل للتغير في أي لحظة، وأي حدث مهما كانت قوته وقدرته. قد يؤثر وقد لا يؤثر على الاقتصاد العالمي، المقاييس والتنبؤات والدراسات واستنباط المعلومات كلها عرضة للفشل في هذا التنبؤ الذي يزداد قتامة.
- حتى مع وجود الشفافية في المعلومات التي صارت متدفقة بكل سهولة مع انتشار وسائل الاتصال وانترنت الاشياء، هذا التدفق في المعلومات قد يكون مخادع ايضا، فحتى لوجستيات المشاريع تبدأ بفكرة الخداع لتشكيلها بأسم الدعاية سواء لفرد أو لحكومة، وهذا ما يضفي الضبابية على التنبؤات حتى وان كان هناك تدفق في المعلومات، والسبب لا يعود لتلك المعلومات ودقتها أو الى آلية العمل بها أو الى الوسائل الحالية المتاحة في التحكم فيها، وإنما يعود بكل بساطة الى العقول العاملة عليها.
- إنها عقول لم يتم تربيتها بشكل تقليدي ذلك لأن واقع الحياة منذ عقود من الزمن لم يعد تقليدياً ابداً، فلم يعد للسلطة الابوية تأثير فعال، ولم يعد للتعليم تلك الابهة والتقديس والتبعية، في خلق مستقبل يصنع مقومات الاجيال ويشكل مبادئهم وبالتالي يضع موازين للعلم تكون موضعاً من السلاسة والأمانة التقديرية لكل تعلم أو عمل، وعليه، فأن هذه الامور التي هي البنى التحتية واحد أهم مقومات الاقتصاد الحاضر والمستقبل تفقد سلطتها مع قدرة العلم على التقدم بقوة. وبذلك نحن نفقد شمولية العلم الذي تستمد عناصر الانضباط والالتزام الاخلاقي منه، نفقد المعرفة لادراك النمو أوالتراجع التقديري بسبب هوة التشريعات وضبطها وانضباطها.
- في الحقيقة نحن وصلنا لـ «القيمة المنطقية» التي وضعها الفيلسوف الفرنسي أوجست كونت كمقدر في تجربته المنطقية «الوضعية المنطقية» . لذا لأدمج هنا بعض الفلسفة في هذه الفكرة لفهم ترتيبها ونتيجتها، فأنا ارى تشكل الاقتصاد اليوم يمر بذات المراحل التي ذكرها كونت في نظريته وهي قانون الحالات/المراحل الثلاث، إذ يقول بأن العقل البشري مر بثلاث حالات «الحالة اللاهوتية، ثم الميتافيزيقية ثم الوضعية «العلمية» والتي توصل العقل للكمال والنضج الفكري». - وتحققت نبوءته فقد تخطى الاقتصاد مرحلة اللاهوتية/ العقيدة، وتحرر منها «واحسب أن هذه المرحلة هي مرحلة المحلية» ثم مرحلة «الميتافيزيقية» وهي مرحلة التوقعات والتحليلات، وهو اليوم في حالة الانتهاء منها ليصل للمرحلة العلمية/ التجريبية.
- النظام الجديد للأجيال الذي بدأ فعلياً مغيراً كل منهج متوارث وتقليدي، من تغيير الفكر وطريقة التفكير، الى تغير في المعاملات، وتجسيد المنفعة المجردة. كلها تلغي اشتراطات الأمان والالتزام بالتشريعات الاخلاقية، وتصيغ منظور المنفعة كأداة نجاح، وهذه النفعية التي تعلي العلم المستخدم، في الواقع هي ما تشكل الضبابية تحت مبدأ ميكافيلي اقتصادي «الغاية تبرر الوسيلة». فهذه الاجيال تشكل عقيدتها واخلاقياتها ومفهومها «النفعي» بنفسها بدون «معلم» أو «أب» أنها تتحرر بسرعة من قيود التبعية «الجيدة والسيئة» على السواء.