@MohammedAlHerz3
هي فوزية أبو خالـد صوت الـتمرد الأنثوي الـذي خرج من قلـب الـصحراء ؛ لـيرتفع في أرجائها مثل عمود النور المنطلق إلى عنان السماء .
هي سليلة (نجد) وهضابها ، إذ والدها هو (عبدالله أبو خالد ) ، وهي أيضا سلـيلـة الحجاز
بمقاماتها وأمكنتها المقدسة ، إذ
أمها هي (نور الهاشمي) .
لـكنّ بين الـقبيلـة والـصحراء رابط ، لا تنفك أواصره ، ولا تنحل وشائجه. وبين الحجاز والموروث الـديني آصرة متينة أيضا .
(طلعتُ من منابت القبيلة.. أو من رحلة الشتاء والصيف أو من جذور الـلـون في حرائق الطيف ) هذه الـطفلـة ذات الخمس سنوات ، والتي ترعرعت في حي ( الشميسي) إحدى مناطق الرياض ، وعاشت بين أترابها بجسد يشبه الصحراء في صمودها أمام الرياح العاتية ، حتى أنها قالت : أحسّ أنني مضغوطة داخل جسدي فلـو أنني أتنفس بعمق لتشققت بشرتي - هـذه الـطفلـة لـم يتنبئ لـها أحد أن تصبح شاعرة ، ولـم يدرك الـقريبون منها أن ما تنطوي عليه من سمات روحية ، قد تكون منذورة لما هـو قادم من
عمق الصحراء من وعود ، قد لا
يتحمله جسدها الغض.
- دفعها إلـى أن تكون مهيئة لهذه النذور ، أمها التي ما فتئت تختبر قدرتها علـى تحمل حيل الصحراء :
- سلّتْ أمي من الـصحراء.. خيط رمل وربطته بطرف سُرّتي.. صرتُ
مهما ابتعدت كدلـو.. عبثا يحاول اغتراف القمر المنعكس على مرآة الماء من البئر المستحيلة.
- ولـم تتفطن تلـك الـفتاة الـصغيرة إلا لا حقا حينما قالـت عن أمها :(لـم تكن تلك المرأة الممشوقة بأغصان الشباب ترضعني حلـيبا وحسب وإنما كنت أرضع منها الأشواق الفوارة داخل ثوبها الـقطني المزموم علـى خصرها النحيل لاكتشاف العالم).
يا لها من طفولة كان الشعر مهمازها الـذي يدير الـبوصلـة ، وكانت الكتابة دليلها ومستقرها الـذي تنشده روحها . وكلـما أخذها القدر إلـى أماكن متفرقة (الطائف ، مكة ، بيروت، أمريكا ، أمكنة العالم الأخرى) ولم تعرف للاستقرار طعما ولا مذاقا ، كان طائر روحها المحلـق بجناحي الـكتابة والـشعر ، لا يتوقف عن الطيران ، ولا يرى سوى النشيد عنوانا لكيانه، وملعبا لغنائه .
(خلـعتْ أسنان الـلـبن وتمضمضت بالحبر خلـعت طاعات طاعنة في العمر.. شبّت عن الطوق وأشعلت حريقا صغيرا ...) - هكذا عاشت فوزية بو خالد طفولتها قرب والدتها التي رأتها تشبه مغارة علـي بابًا المغلـقة ، وكلـمة الـسر الـتي تملـكها كي تنفتح لها بوابة المغارة وتشرع هي كلمة (ماما) .
لكنّ الكلمة ليست هي الوحيدة الـتي تربطها بها ، هـناك روابط متعددة تحاصرها من كل الجهات ، رابط الـرائحة الـذي تأتيها أو تتسلل إلـيها من جهة الـذاكرة/ الأم ، وهناك أيضا النظرات التي تنطلق من عيني أمها العسليتين ؛ لتمتد وتحلـق في أدق تفاصيل حياتها ، مهما تباعد الزمن بين طفولـتها تحت ظلال والـدتها الـوارفة وبين حياتها بعد سنين من العمر .
- إن هـذا الأثر لا يشبه الإرث الـطبيعي الـذي ينتقل من الأمهات إلـى أطفالـهن ، أو ما يكتسبه هـؤلاء الأطفال من صفات بيولوجية فقط ، وإنما –
علاوة على ذلك – كانت الشاعرة فوزية بو خالد تضع أمام القارئ مكامن الـسر الـذي هـيأها لا حقا أن تكون الـشاعرة والكاتبة والـباحثة والأكاديمية المؤثرة في جيل كامل من المبدعين .