- لم يبدو البعض وكأنهم مسيطرون بالكامل على حياتهم بينما يبدو آخرون مشتتين ويعانون من نفس المآسي في حياتهم مرارا؟، و قد تكون واحدًا من هؤلاء الذين لا يفهمون سبب استمرارهم في جذب أشخاص لا يحسنون معاملتهم، أو استقطاب علاقات تجلب المعاناة إلى حياتك، و يفسر علماء النفس ذلك بوجود جزء جريح في داخلك يجذب دون وعي آخرين مجروحين، لأن الطيور الجريحة على أشكالها تقع، و ينشأ ذلك الجرح ببساطة خلال تجارب نشأتنا، عندما نتعرض للتجاهل أو الرفض أو النبذ أو إساءة المعاملة، أو التجاهل أو الصدمات النفسية الأخرى، وبصرف النظر عن الطريقة التي اكتسبنا بها جرحنا، فإنه يستقر عميقاً داخلنا، ويحتل مساحة عاطفية تؤثر في شعورنا تجاه أنفسنا وفي علاقتنا بسائر العالم.
- و لكن الجميع لا يتأثر بنفس الطريقة، فالبعض يتجاوز التجربة المؤلمة ببساطة، بينما يترك لدى آخرين ندبة عميقة، فلكل منا مستوى خاص من المرونة النفسية في طريقة معالجتنا للجرح العاطفي والصدمة النفسية والتكيف والصمود بعدهما، و يظل ذلك الجرح النفسي مصاحبا لنا، مختبئا بداخلنا، حيث ندفعه عميقا في دهاليزنا محاولين تجاهله و تجنب الألم الذي يصاحب تذكره، والمشكلة انه عندما لا تعترف بوجوده فإنهما يبدء الظهور بأشكال مشوهة، في محاولة للحصول على الاعتراف، فالمشاعر المزعجة هي رسول داخلي يسعى لجذب انتباهنا، ومعظم الناس تقلل من أهمية المشاعر أو تتجاهلها تماما، فربما اعتدت على الشعور بالجرح الذي تحمله و تستهين بانعكاساته في نفسك معتبرا بأنه حدث منذ مدة طويلة، لكنه سيبقى محاولا العثور على طريقة للاعتراف به ، وسيظل يعاود الظهور بشكل يربك توازنك، و يسهم في اكتئابك وقلقك.
- بمجرد أن تتواصل مع الجرح ستنفتح بوابة الشفاء، فكلنا نحمل جرحاً مؤذيا قديما و نمارس معه أسلوب إعادة تدوير الألم، ففي طفولتنا يقع حدث يفاجئنا ويربكنا كخبرة جديدة لا نعرف التعامل معها . ويخزن في صورة تجربة لا تعطي شعورًا حسنًا ، أو كصدمة نفسية، وهذا هو الجرح الأساسي الأولي الذي يتجمد عند العمر الذي وقع فيه الحدث العاطفي المهم، ولنقل عمر خمس سنوات مثلا، و رغم تقدمك في العمر يظل ذلك الجزء من طفلك المجروح في الخامسة متأهبا ويقظا بشكل مبالغ فيه ، وخائفًا من حدوث شيئ سيئ مرة أخرى،وعندما تتعرض لمثير خارجي، يهرع طفل الخامسة بداخلك لاستخدام أداة الاستجابة العاطفية الاندفاعية ويعترض طريق ذاتك الراشدة المسئولة.
- يتصرف بعاطفية طفل الخامسة، مستخدماً منطقه وكلماته وتعبيراته، ويستجيب كما لو أن الخبرة السيئة الأصلية تقع من جديد،فطفل الخامسة ملتزم بقوة بحماية كل أجزاء نفسك ولا يريد أن يقع لك المكروه مجددًا، بينما تشعر الذات الراشدة بالحيرة والارتباك مما حدث، حيث تعمل أدوات استجابتنا الاندفاعية في دعم جرح طفلنا الداخلي، لكنها تتسبب في إعاقة نمونا و نضجنا النفسي، و يلزمنا ذلك بالتفاوض مع الطفل الداخلي الخائف وإشعاره بالأمان ليفسح الطريق لذلك الراشد بتولي زمام استجاباتنا.