- التقاعد هو سنة الحياة للعاملين سواء كان هذا العمل حكومياً أو في القطاع الخاص، وهو أمر لا بد منه، لكن وقته يختلف من شخص لآخر، فالبعض يحصل معه في بعض الوظائف أن يخرج مبكراً وهو في أوج عطائه لظروف كثيرة، والبعض الآخر يرى أنه اكتفى من العمل وشقائه، وأن وقت الراحة قد حان، حتى لو خسر مبلغاً كبيراً من راتبه مقابل تخفيف ضغوط ومصاعب الحياة التي يراها تثقل كاهله.. وهناك قسم آخر من الموظفين يرون أن الخروج من العمل هو خروج من منطقة الراحة، لإيمانهم بأن العمل يوفر لهم راحة نفسية ومكانة اجتماعية اعتادوا عليها سنوات طويلة، ويريدونها أن تبقى لأطول فترة ممكنة، ويرون أن الخروج منها سيسبب لهم فقداناً وحرماناً من هذه المكانة، وهي برأيي مكانة وهمية، لكن بتعدد الأحوال فإن الموظف مآله إلى التقاعد.. بعد ذلك أو قصر.
- وفي كل الأحوال يكون التخطيط للتقاعد أمر مهم ويفترض أن يبدأ في مرحلة مبكرة، أو على الأقل يبدأ في السنوات الخمس الأخيرة من الفترة التي يحددها الشخص لنفسه، والتي أرى أن يعمل خلالها على ترتيب أوضاعه النفسية والاجتماعية والمالية استعداد للظروف التي قد تطرأ مع التقاعد.. والتخطيط للتقاعد يتطلب عدة أمور منها أن يلتفت الإنسان لحالته المادية ويبدأ في سنواته الأخيرة في العمل بالتخلص من جميع أشكال الالتزامات المالية قدر استطاعته، فالراتب التقاعدي سيفقد كثيراً من بريقه السابق، والذي يتطلب من المتقاعد التكيف معه، وتطويعه ليتناسب مع واقع الحال الجديد.
- أيضا سيكون الفراغ جزءا من الحال الجديد، والذي يتطلب أن يحرص على شغله بأمور مفيدة له، وقد يكون قرار التقاعد حزيناً في بدايته للبعض، إلا أنه قد يأتي بخير كثير، بل إنه بداية حياة جديدة تصعب معرفتها حتى تتم تجربتها، فالراحة النفسية التي تطرأ بعد الانفكاك من بيئة العمل والانعتاق من المسؤولية، يتفرغ فيها الإنسان لإشباع هوايته وتحقيق تطلعاته التي لم يستطع أن ينجزها أثناء انشغاله بعمله السابق، فكم من شخص أكمل دراسته بعد انقطاع طويل، بل وجد في التقاعد طريقاً مسلياً لتحقيق شغفه في النهل من العلم والحصول على شهادات عليا، قد تساعده في بناء مسار مهني جديد يعكس فيه خبرته ويقدم من خلاله خدماته الاستشارية لمن يحتاجها، وهناك من وجد التفرغ فرصة لممارسة شغفه في التجارة بعد أن كان يتعذر عليه ذلك بسبب الارتباط في وظيفية رسمية.
- وهناك الكثير من التجارب الناجحة لأنشطة ما بعد التقاعد أبطالها رجال ونساء استطاعوا شغل وقت فراغهم بأعمال مفيدة لهم وللمجتمع، بل إنني أكاد أجزم أن كثيراً من الجمعيات الخيرية والمهنية استطاعت استقطاب العديد من المتقاعدين للعمل فيها رغبة في الاستفادة من خبراتهم الإدارية والمهنية، والسعيد هو برأيي من تمكن من تطويع خبراته السابقة وتحويلها لأنشطة مفيدة يستفيد منها ويفيد مجتمعه.