يروى في قصة من قصص الأساطير أن سحابة صغيرة أرادت أن تأخذها الرياح معها في رحلتها كما تفعل مع مثيلتها من السحب الكبيرة وافقت الرياح على مضض ولكنها حذرت السحابة الصغيرة أنها ستفقد لونها الأبيضالناصع كلما مرت على حدث من الأحداثالكثيرة التي تقع على الأرض وافقت السحابة الصغيرة ومضت في رحلتها تلك
ومروا برحلتهم على بيمارستانٍ كبيرٍ ساكنوه بلغُوامن الْكِبَرِ عِتِيَّا ونحل منهم العَظْم وضعف الجسد
فسألت السحابة الصغيرة مَا بَالُ هذا البيمارستانروادهُ من كِبار السن أليس لهم جميعا ولد؟!
فيستندون عليه في كِبَرِهم بعد أن ضحوا بجميلأيامهم لأبنائهم.
فقالت الريح بلى , لكل واحد منهم له من الأبناءوالبنات ما يفوق العدد
صرخت السحابة الصغيرة إذن أين هم عنهم؟؟؟
فقالت الرياح لقد أرادوا أن يتخففوا من حِمْل والديهم ويستمتعوا بحياتهم وهم يقولون لأنفسهمأنهم قاموا بحق والديهم لأنهم يدفعون أموال باهظة لهذا البيمارستان ليرعى والديهم ولكن السحابة الصغيرة مضت تكمل رحلتها وهي تقول دعينا أيتها الرياح نمضي فأرضٍ لا وفاء فيها لا حياة فيها
وبالفعل ساقت الرياح السحب إلى أرض أخرىاحتشدت بها الجموع على رجلا فاحش الثراء أذن الله أن يملك من نعيم الدنيا أكثره وهو يخطب في جلسائه ويقول لهم لا احد يحدثني عن الفقر فلقد بلغت منه مبلغه ووصل بي حد التهلكة ولكني كافحته أيما كفاح حتى وصلت إلى ما أنا عليه اليوم من نعمة الغنى
فإن أولئك المتسولين على قارعة الطريق هم كاذبونكُسالى أحبوا الراحة وآثرواها على السعيوالعمل .
ولكن قاطع حديثهُ رجلٌ في أقصى المجلس وأبعده
وهو يقول فهل وفرْتَ لهم فرصة العمل ورفضوها؟
وهل دفعت زكاة مالك لتساعدهم ؟ أوليس هذاالغنى الذي أنت فيه هو من نعمة الله عليك.
فأشار بيده إلى حرسِه, أن أخرجوه فهو رجلكاذب منافق , فصفق الجمع لهُ وهم يهتفونصدق فلان الغني وكذِبَ كل من سِواه وما فعلواذلك الأمر إلا طمعاً بعطائه لا لِصدقِه.
تململت السحابة وهي تقول أيعي هذا الشقي مايقول؟! إن الفقر إذا أصابك ترك على جسدكسحنتهُ, فلو تنعمت بعده لم تزل تلك السحنةتلازمك وتترك في نفسك وجعا لن تستلذ بنعيمالدنيا بأجمعه.
أرجوك أيتها الرياح خذينا من هاهنا فأرض ينعدم بها الشعور ويكذب الكاذب حتى يصدق نفسه تنقلب إلى جحيما لا يخمدوا شرُها
وهكذا مضت السحب إلى أرض تبدوا بها الحياة تضرب أطناب طبيعتها فزفرت السحابة الصغيرة زفرة تعلن بها راحتها أخيرا .
ولكن شخص قائم في ساحة المدينة بدّد أمنيتهاتلك , وهو يقول أيها الناس إلى متى وانتممتفرقين بسبب تفرق أديانكم إنزعوا عنكم ذلكالرداء واكفروا بمعنى الإله وتحرروا من أغلالالدين وانعموا بالحياة بلا قيد أو شرط واشهدواأني ملحد لا أومن بالله
هتفت السحابة الصغيرة ويحه, كيف له ذلك؟ .
أغرهُ حلم الله عليه , لو انه سأل عضلات لسانه تلك لقالت له : ويحك ومن الذي أوجدني؟!
و من الذي خلق هذا الكون؟!!
وغيب عن قدرة عقلك المحدودة مفهوم النشأةوالموت والروح .
أسرعي أيتها الرياح أرجعيني إلى مكاني فواللهإن أرضٍ ينتهي بها الإيمان بالله الخالق وينحلالإنسان من عُرَ العبودية هي نهاية العالم وقرب القيامة.
فقالت الرياح ألم اقل لكِ أيتها السحابة انكِ لن تستطيعي على تلك الرحلة صبرا
وهم في حديثهم ذاك وصلوا إلى الشمس في مغيبها فرحت السحابة لمنظر الشمس وأشعتهاالذهبية واقتربت من الشمس علّها تزيح ذلك اللون الداكن الذي إكتساها بسبب بني آدم وآثامهم.
وبالفعل غسلت فرحة السحابة بلقاء الشمس ذلك اللون الداكن لينقلب لونها أبيضاً في بعض أطرافها ويستحيل ما تبقى منها إلى اللون الرمادي.
لذلك تقول الأسطورة أن اللون الرمادي الذي يكسوا السحب عند المغيب هو بقايا من بياض تلك السحب التي تمر على بني آدم في رحلتها فتلوثها سواد نواياهم وأفعالهم فهل تستطيع السحب مسامحتنا إذا قلنا لها
اعذرينا يا سحابة.