- البيوت خرجت عن صمتها وبدأت تتكلم عن حياة ساكنيها وأسرارهم ! الخبر صحيح، يتداول في الصحف والمحطات الأخبارية العالمية، وحتى أنه أصبح «ترند» على منصات التواصل الاجتماعي، قل لي : ماذا يعني ذلك ؟! أهو لغز أم كذبة يروج لها الإعلام للدعاية، أم فكرة شاعرية تستهوي الحالمين الذين يريدون أن يرسخوا مبدأ العيش على المغامرة والمفاجآت المستحيلة الحدوث، والتي لا نراها سوى في أفلام هوليودية على الطريقة الأمريكية؟!
- صاحبي يقرّب شاشة جواله أمام عينيّ؛ لأرى مجموعة من البيوت متنوعة الحجم والطول تتخذ لها موقعاً في ساحة عامة رافعة لافتات وكأنها في مظاهرة مكتوب عليها «نطلب تعويضا عن الصمت الذي عشناه سنين طويلة وإلا سنغمر العالم بمياه الأحاديث المغلقة الإحكام بأقفال محكمة وسيغرق العالم ولن ينجو أحد من الفوضى والفضائح التي ستؤدي للحروب والفتن»، وعندما سألت صاحبي: في أي مدينة من العالم وقعت هذه الحادثة، فاللقطة لا توضح معالم المدينة، لا سيما وأن اللافتات مكتوبة بجميع اللغات، والأصوات المسموعة في اللقطة مجرد همهمات عالية الضجيج وكأنها أصوات تذكرني بتلك الأصوات التي كنا نسمعها في فيلم كوكب القردة ؟!
- نظر إلىّ وتعابير الدهشة غيّرت من ملامح وجهه، رافعا كلتا يديه في وجهي، وبصوت عال : ماذا جرى لك يا صديقي !! هل أنت نائم مع أصحاب الكهف، أو أنت قادم من كوكب آخر ؟! ما تراه أمامك مجرد لقطة عابرة من لقطات كثيرة تُرصد حول العالم، وجميعها تكاد تكون بالطريقة ذاتها في المقطع الذي تراه أمامك: بيوت وعمارات وقصور لرؤساء وأغنياء ومباني ضخمة كلها ترفع الشعارات ذاتها.
- في البداية لم نكن نصدق ما نراه، والناس كانت ترى وتظن أنها مشاهد مقتطعة من أفلام عالمية تعتمد على الخدع والتأثيرات البصرية، وعلى إثرها كانت النكات لا تتوقف بين الناس، والسخرية تنتشر بينهم والتأويلات بدأت تحتل مساحة في أقوالهم وتفكيرهم، البعض يظن أن مثل هذه الأحداث هو مخطط مرسوم من أطراف غايتها اشغال الناس وإرعابهم لأهداف وغايات سياسية أو اقتصادية مثلما هي أيام كورونا المرعبة التي عمت العالم، أما البعض الآخر كان شاهداً على ما رآه، وقد خشي أن لا يصدقوه الناس فامتنع عن الكلام، وهناك القلة من الذين تحدثوا أمام الكاميرات عمّا شاهدوه من أحداث وعمّا سمعوه من أحاديث وأسرار من أفواه تلك البيوت مباشرة في الساحات العامة.
- بدأت الأسئلة تتدفق في ذهني وأنا أصغي في ذهول لما يقوله صاحبي: ماذا يجري في العالم، هل هذا حلم أو حقيقة ؟! أدرك صاحبي ما أفكر به، وقال: كل ما يحدث غير منطقي تماما، لكن عندما تسمع كلام إحدى البيوت ستشك بكل ما في الحياة من معرفة يقينية تربيت عليها وتعلمتها، وماذا قال حتى أشك إلى هذه الدرجة؟!! قال: ما لا تعرفوه أيها البشر حين تطلقون علينا أشياء جامدة، كنا نملك أرواحاً، لا تغادر صغيرة ولا كبيرة تحدث في هذا العالم إلا ونملك نسخة منها في عالمنا الروحي رغم أننا لا نتوفر على حواس كالإنسان، كنا ننتظر اللحظة التي ستأتي يوما ما ونقول فيها للبشر ها هو اليوم قد جاء وسوف نغير طبيعة الأشياء وسوف يكون الصمت طبيعة بشرية بعد هذا اليوم.
- والغريب أن الذكاء الاصطناعي الذي ابتكره الإنسان كان هو الأداة التي عجلت بهذا الحدث الذي ترونه أمامكم.
عمّ الصمت بيني وبين صديقي، وقلت في نفسي لقد بدأت البيوت تعمل بجد.