@sayidelhusseini
- تشكل الأسرة الدعامة الأولى في المجتمع، فقد واجهت عبر مختلف الأزمنة والعصور الكثير من التحديات، لذلك حرصت مختلف الأديان السماوية والمجتمعات من خلال الأنظمة الإجتماعية على حماية هذا الكيان من الانهيار، لما له من أهمية في الحفاظ على أمن المجتمعات وتماسكها، ولقد رسخ الإسلام مجموعة من الأنظمة والقيم لحماية الأسرة بمفهومها الواسع بالحرص على تمتين العلاقات والروابطة الإجتماعية بين أفراد الأسرة، وصحيح أن الإسلام لم يستخدم مصطلح الأسرة ولكنه ذكر كل ما يشير إليها، فهو القائل سبحانه وتعالى:» يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ».
- *مكانة الأسرة في الإسلام*
إن مكانة الأسرة في الإسلام بالغة الأهمية، وإن أهميتها تكمن في دورها الأساسي في تحقيق استقرار المجتمعات، كما لاشك أنها حصن من حصون الإيمان، فإذا صلحت صلح المجتمع بأكمله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وهي التي تتأسس بداية من الزواج باعتباره الحبل المتين والميثاق الغليظ الذي يربط الزوجين ليقدما بعد ذلك أطفالا صالحين بفضل عناية الأبوين وجهودهما في صناعة شخصية الطفل وحسن تربيته تربية إسلامية على قيم ومبادئ الإسلام، وهي مسؤولية ثقيلة تتطلب الصبر والإيمان:»وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلوٰةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْئَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعٰقِبَةُ لِلتَّقْوٰى»، ومن مظاهر اهتمام الإسلام بالأسرة تأكيده على ضرورة الإحسان إلى الوالدين: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسٰنَ بِوٰلِدَيْهِ إِحْسٰنًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصٰلُهُ ثَلـٰثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وٰلِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صٰلِحًا تَرْضٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْـمُسْلِمِينَ»، كما حث على أهمية الروابط الأخوية في زرع الثقة لما لها من تأثير إيجابي يساهم في توفير بيئة صحية تتسم بالسكينة والإطمئنان، وفي ذلك أشار القرآن إلى العلاقة الأسرية الأخوية من خلال قصة كليم الله موسى مع أخيه هارون – عليهما السلام-: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هٰرُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا».
- *تحديات الروابط الأسرية في زمن السوشيال ميديا*
إن اللافت للانتباه في العقدين الأخيرين أن نمط حياتنا الإجتماعية تغير تغيرا جذريا خصوصا في ظل هيمنة الفضاء الافتراضي الذي فرض واقعا غريبا عن معتقداتنا وقيمنا وأخلاقنا وللأسف الشديد انتشرت الرذيلة والتنمر والفسق والفجور وانقطعت الروابط العائلية وانعزل الأفراد عن واقعهم منغمسين في مواقع التواصل الإجتماعي، متجاهلين حجم الكارثة التي تعصف بمستقبل حياتنا الإجتماعية الذي يتجه نحو منحدر خطير، بسبب طغيان الحياة المادية وغياب القيم الإنسانية والأخلاق الإسلامية من حياتنا، ولاشك أن ذلك ضرب النسيج الإجتماعي ونسف وظيفة الأسرة المقدسة ورسالتها السامية، ولو تمعنا لوجدنا أنها دائما كانت هدفا للمتآمرين والضالين داخيا وخارجيا، لتدمير صرحها، وتشتيت كيانها، وضرب دعائمها للقضاء على أمن الدول واستقرارها.
- *الواقع الأسري والتحديات الراهنة*
لذلك فإن مسؤوليتنا جميعا حماية الأسر والمحافظة عليها، وذلك من خلال إعادة تفعيل القيم في المجتمع، ونشر الأخلاق وترسيخ المبادئ الإنسانية القائمة على الأخوة والمحبة والتسامح، والابتعاد عن كل مظاهر التطرف والفرقة والنزاع وكل مسببات الطلاق وتشريد الأسر وتفكيكها، كما ينبغي مراقبة الله في سلوكنا مع أهلنا وأبنائنا، فالمسؤولية واحدة ومشتركة: «وتعاونوا على البر والتقوى»، ناهيك عن دور المناهج التعليمية التربوية في تهيئة أبنائنا لبناء أسر صالحة، ولاننسى وظيفة القوانين في تنظيم العلاقات الأسرية من خلال تحقيق العدالة والتوازن الأسري وفق ضوابط والقيم الإنسانية المشتركة.