- مازلنا نعيش أجواء احتفالات أسبوع ويوم اللغة العربية والذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، والحديث عن العربية ذو شجون، هناك لغة وهناك عرب، فأما اللغة فإن قلت انها أحدى اقدم لغات العالم الحية اليوم فقد اصبت، وان قلت انها لغة الأدب فهي حاضنته، وان قلت انها لغة البلاغة، فقد وسمتها بأحسن مافيها، وقد وصفها ادوارد سعيد بأنها احدى أروع نتاجات العقل البشري.
- اللغات أبنية عضوية، وعمارات، وطرق مختلفة في التفكير، ولانها كذلك، فقد أصبحت المصدر الاول للهوية ولطريقة بناء الفكر والحضارة لاصحابها، وكما يؤكد عالم اللسانيات الامريكي نعوم تشومسكي فان البناء اللغوي فطري لدى الانسان وهو مايجعل من اللغة أداة أولية لتكوين الفكر والعالم والثقافة على مستوى الفرد والجماعة.
- ولأن اللغة منتج عضوي فان نشوءها وارتقاءها او انحدارها مرهون بالظروف والعوامل التاريخية لاصحابها، وتاريخ العالم في جزء منه هو تاريخ لغات، وهذا ينطبق على العربية كما بقية اللغات، فكما تكلم العالم العربية يوماً ما، كان للغات اليونانية والرومانية ماض ازدهر بازدهار هذه الحضارات وتراجع بتراجعها.
-ومن اللغات الحية اليوم تتميز العربية بوضع خاص، فهي اولاً لغة كتاب مقدس وهي تغطي مساحة شاسعة ممتدة بإمتداد العالم العربي كلغة اولى والعالم الاسلامي كلغة ثانية، اضافة الى امتدادها الجغرافي الشاسع فانها كلغة اشتقاقية مولدة لمصطلحاتها باستمرار وهو مايجعل منها لغة حية باستمرار، اما واقعها اليوم فقد أوجزه حافظ ابراهيم عندما قال على لسان لغته:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن .. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
- واما العرب وهم اصحاب هذه اللغة، فالبون شاسع بين حاضرهم وبين لغتهم، نظرا لما مر به العالم الاسلامي من ركود في خضم ظهور الغرب والسيادة العثمانية على معظم انحاء العالم العربي فقد انسحب ذلك على لغتهم، وبعد ان كانت العربية تصدر مفرداتها الى معظم اللغات التي تفاعلت معها حضاريا اصبحت تستقبل، انظر الى المفردات الدخيلة على العربية من تركية وفارسية وانجليزية وفرنسية مؤخراً تشهد حجم التراجع الذي تعيشه العربية الآن.
- عالم اليوم متسارع، تقني، يتطلب القدرة على مواكبة كل جديد في مجالات الحياة، هناك قول مأثور: «لكي تكون منتجا للمعرفة يجب ان تكون مستهلكا لها» ولعل هذا ماتحتاجه العربية اليوم فلكي تعود العربية الى سابق عهدها لغة ثقافة عالية يجب عليها ان تستوعب فكر اللغات الاخرى لتتفاعل مع لغات العصر وتنتج مصطلحاتها المعاصرة الخاصة بها.
- هذا بطبيعة الحال مجهود فكري أكثر منه أمر متعلق بطبيعة اللغه، واللغة في النهاية انما هي انعكاس للحراك الفكري والثقافي الذي يعيشه القوم الناطقين بها، ونظرا لما يعتري المشهد العربي على كافة المستويات فقد انعكس ذلك على العربية واصبحت حبيسة وجهات نظر ورؤى وأفكار متعددة.
- ولعل موقع العربية في البحث العلمي في الجامعات وفي توفر المادة العلمية الرصينة المتوفرة على الشبكة العنكبوتية من أولويات المشاكل التي تواجهها العربية والمهتمين بالشأن العلمي والثقافي، صحيح ان اللغات الاوروبية وخصوصاً الانجليزية هي لغات العصر لكن هناك فرق شاسع بين ان يكون الفرد والمؤسسة مستورداً لمصطلحات العصر وبين ان يكون منتجاً لها بلغته التي يفكرة بها ويرى العالم من خلالها.
* أستاذ العمارة والفن بجامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل