- كنت أجلس في مكتبي المنزلي كالعادة، منشغلاً بوضع اللمسات الأخيرة على كتابي الجديد أسلحة لا تطلق النار، الكتاب الذي يختصر رؤيتي الشخصية عن دهاليز صناعة الرأي العام، كانت ابنتي الصغرى مأرب تتحدث على الهاتف مع زميلتها الكويتية باللغة الإنجليزية، بعد أن انتهت المكالمة سألتها، هل تشعرين أن اللغة الانجليزية يمكنها إيصال أفكارك أكثر من اللغة العربية؟ قالت لا ولكني كنت أجيب على صديقتي التي كانت تستخدم الإنجليزية، لم ارغب في إطالة النقاش لان لديها امتحان الفصل الأول في كلية الطب، لكن بعد هذا الحوار المقتضب، سألت نفسي لماذا يعمد بعض العرب إلى إدخال اللغة الإنجليزية بشكل مبالغ به في حوارته العادية مع محيطه؟
- شخصيا أعتقد أن اللغة تلعب دورًا حاسمًا في تحديد طريقة تفكيرنا وفهمنا، فاللغة هي وسيلة التواصل الأكثر تأثيراً والتي نستخدمها للتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا وتبادل المعلومات مع الآخرين، ومن خلال استخدام اللغة نقوم بترميز الأفكار في صيغ محددة ونقلها إلى الآخرين، وتؤثر اللغة بشكل كبير على طريقة تفكيرنا، حيث تساعدنا على تنظيم الأفكار وتجميعها في سياق منطقي مقبول، فعندما نتعلم لغة جديدة، نتعلم أيضاً القواعد النحوية والصرفية التي تنظم هذه اللغة، وهذا يؤثر على كيفية تنظيم أفكارنا وترتيبها، كما أنها تؤثر على فهمنا للعالم من حولنا، فكل لغة لها طريقة مختلفة لوصف الأشياء وتصنيفها، على سبيل المثال، في بعض اللغات يتم تصنيف الكائنات حسب جنسها، بينما في لغات أخرى يتم تصنيفها حسب العدد المفرد والجمع، هذه الاختلافات تؤثر على كيفية نظرتنا للعالم وتفاعلنا معه.
- ومن الملاحظ أن بعض الثقافات لديها كلمات ومفاهيم مميزة لا توجد في لغات أخرى، مما يعكس طريقة تفكير فريدة لهذه الثقافات، على سبيل المثال، في لغة سكان الإسكيمو هناك عدة كلمات تصف الثلوج بطرق مختلفة تعكس تجربتهم المتعددة مع هذا العنصر الطبيعي المهم والحيوي في حياتهم، وتلك الكلمات العديدة رغم أنها تشير إلى نفس الشي إلا أنها ذات دلالات مختلفة منبثقة من حالة الطقس وحالة الثلج وتأثير تلك الحالة، لذا يمكن اعتبار اللغة أداة قوية تشكل طريقة تفكيرنا وفهمنا للعالم لذا أحث دوما على تعلم لغات عديدة يمكن أن تساهم في ارتفاع جودة الفكرة لدى المفكر لأنه عندما يتعلم الشخص لغات مختلفة، يتعرف على ثقافات ومفاهيم مختلفة، ويوسع آفاقه الفكرية لأن اللغات توفر للمفكر آليات مختلفة للتعبير والتفكير، وتساعد في رؤية أمور جديدة وتحليلها بطرق متعددة.
- وعند النظر إلى المفكرين القدامى من حضارات قديمة الذين لم يتحدثوا سوى لغتهم الأم، كانت اللغة الأم تعتبر الوسيلة الرئيسية للتواصل والتعبير عن الأفكار، ومع ذلك تجاوزت تلك الأفكار عائق اللغة لتصل إلى جهات العالم الأربعة، ومع تطور التكنولوجيا والعولمة في العصر الحديث، أصبح تعلم لغات أخرى أمرًا مهمًا للتفاعل مع العالم الخارجي والتعامل مع ثقافات مختلفة، وهناك مئات التطبيقات الذكية التي تساعد على توفير ترجمة فورية تختصر الجهد والوقت، لذا تواصل مع الآخرين بلغتهم لتنقل أفكارك وتنهل من أفكارهم وفقا لقاعدة التكامل، فما لدينا كعرب ومسلمين من فكر كان يوماً ما أساس معارف الأمم الأخرى..!