- يحدث أن تطلب منك والدتك، تتجنب الارتباط بفتاة بعينها، وقد يشير عليك والدك بعدم شراء سيارة من الطراز الفلاني، وقد تتراجع أنت عن السفر لبلد ما، وعند ذلك تتفاجأ، بصدق حدس والدتك أو والدك أو شعورك الداخلي، وهذا الحدس هو عبارة عن نوع من أنواع البصيرة.
- البصيرة إدراك وفطنة، ولها أنواع مختلفة، فتأتي بمعنى الحجة والدليل، وهو كما في قولة تعالى (بل الإنسان على نفسه بصيرة)، أو بمعنى العبرة، والعظة كما في قوله سبحانه (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه).
- فالأم لقربها من ابنها وفهمها لطبيعته، تتولد لديها ملكة إدراك، لما يناسب ابنها ومالا يناسبه، وبالتالي، فهي ترى في تلك الفتاة التي اختارها ابنها صفات لا تتماشى معه، وتتنبأ بعدم استمرار تلك العلاقة، والأب كذلك، فمن واقع خبرته في الحياة، يرى في تلك السيارة التي يريد أن يشتريها ابنه، أمور قد لا يراها الابن لقلة خبرته، كعدم توفر قطع غيارها، أو عدم جودة وكيلها، أو لكلفتها بالمقارنة مع الدخل المتواضع لابنه، ولكونك ممن يسافر كثيرا فقد تولد لديك ملكة لما يناسبك من الأسفار، لذلك ولغيره من الأمور، تعد البصيرة نعمة تعين على التريث في اتخاذ بعض القرارات الحاسمة والمهمة في حياتنا، وتعين كذلك، عند الرغبة في المضي قدما في أمور الخير وعقد الأمر والعزم على إتمام بعض الأمور الأخرى النافعة، وقد يدخل فيها قدرة المخترعين على تصور الحاجات والعمل على اختراعها، كما يقال أن الحاجة هي أم الاختراع.
- يرى علماء النفس بأن البصيرة، جزء من وعي الفرد بوجود المتعدي لزمن بعينه، وهو ما يمكننا من استرجاع ما حدث في الماضي وتصور أحداث مستقبلية بشكل مسبق، وهي في ظاهرها، عبارة عن نوع من القدرة لدى البعض، بأنّ يشاهدون بعض المشاهد وكأنهم ينظرون عبر زجاج شفاف، في حين لا يتمكن الآخرون من الرؤية من خلاله، لأنه بالنسبة لهم عبارة عن جدار مصمت، والعرب، تعد ذلك أيضا نوعا من الفراسة، بحيث يتمتع صاحبها بالقدرة على تمييز الناس وتصنيفهم، حتى وإن لم يكن يعرفهم.
- ختاما:
ينبغي علينا أن لا نستهين بنصائح الوالدين وخبرة الكبار ودرايتهم، فالحياة صنعت منهم كتباً تُدرس وعبراً تحتذى، ودمتم بخير.
قال ابن الرومي:
وخبيء الفؤاد يعلمه العا.. قل قبل السماع بالإيماء
وظنون الذكي أنفذ في الحق.. سهاما من رؤية الأغبياء