- الإدمان الرقمي آفة تعصف بعقول أبنائنا لتنهي طاقاتِهم وقدراتِهم وإبداعَهم، وخطر يداهمهم لينتزعَ منهم التفاؤل بالحياةِ للعملِ الجادّ، وجعلِهم في مواجهة صعبة للتحدياتِ التي تفرزها هذه الآفة بأساليبِها المختلفةِ.
- نظراً لتعاملنا اليومي مع وسائل التقنية الهائلة، فمن الطبيعي أن يصابَ الجميعُ بالإدمان، وعلى الرغمِ؛ مما فرضتْهُ علينا الجائحةُ منْ تسريع للتحولِ الرقميِّ في مختلفِ مساراتِنا الحياتية، إذ جعل الكثير منا في عزلة شعورية وجسدية عن أفراد العائلة، وأصبحوا في عالم افتراضي مغلق، لدرجة أنهم يتحدثون ويتواصلون مع بعضهم باستخدام مواقع التواصل وهم داخلَ المنزل الواحد، وبما أن إدارة معظم الأنشطةِ اليوميةِ أصبحت معتمدة على استخدامِ هذهِ الأجهزة الذكية لسهولتها ولتنوع أغراض استعمالها، ودورها الفاعلِ في تنمية المهارات الشخصية والمعلوماتية، إلا أنه لا يمكن إغفال مخاطرِ الإدمان لهذهِ الوسائل واستخدامِها دون وعي وتقنين وتوازن، لهذا صنفٌ بأنه اضطراب وحالة مرضية حديثة تطفو على حياتنا، وتؤثر في مجراها.
- يعرف هذا الاضطراب بأنه نمط من الخللِ السلوكيِّ والمترتبِ على الصحةِ الجسميةِ والنفسيةِ، والذي أفضى إلى خللٍ كبيرٍ في العلاقاتِ الاجتماعيةِ، فينتجُ عنهُ تباعاً الانفصالُ الأسريُّ والمجتمعيُّ، عطفاً على ظاهرةِ تراجعِ المستوياتِ التعليميةِ، والوقوعِ السهلِ ضحيةَ الاحتيالِ والابتزازِ، والصعوبةِ في التأقلمِ معَ الحياةِ بطبيعتِها وروتينِها، الأمرُ الذي قدْ ينمي شخصياتٍ غيرَ نشطةٍ وافتراضيةٍ منفصلةٍ عنْ الحياةِ الواقعيةِ، تلكَ تتسمُ بالعنفِ والتوترِ والقلقِ، وانعدامِ التوافقِ والانسجامِ التامِّ معَ المجتمعِ.
- هنا يتوجب الدعوة إلى مضاعفةِ جهودِ التوعيةِ بمخاطرِ هذا المرضِ الرقميِّ الجديدِ، جميعاً تقعُ علينا نحنُ كأولياءِ أمورٍ لوضعِ كافةِ التدابيرِ والوسائلِ لحمايةِ أبنائِنا وأفرادِ مجتمعِنا والتعرفِ عليها وفهمِها لوضعِها محطَّ التنفيذِ؛ كمسؤوليةِ تنظيمِ ساعاتِ استخدامِ الأجهزةِ الرقميةِ لتحديدِ أوقاتٍ معينةٍ لاستخدامِ الهواتفِ الذكيةِ والألعابِ وغيرِهِ، وهوَ أمرٌ يجبُ التشديدُ عليهِ، والعملُ على مشاركةِ الأبناءِ وتشجيعِهم على ممارسةِ الأنشطةِ الأسريةِ والاجتماعيةِ، معَ إثراءِ أوقاتِهم بالأنشطةِ الحركيةِ والرياضاتِ، وتفعيلِ لغةِ الحوارِ الأسريِّ والتواصلِ الفعليِّ، وزيادةِ الثقةِ المتبادلةِ بينَ أفرادِ الأسرةِ لغرضِ الإشباعِ العاطفيِّ والاجتماعيِّ لتشجيعِهمْ على المصارحةِ، وحثِّهمْ على المشاركةِ في ما يتيسرُ منْ الأنشطة كالتطوعِ المجتمعيِّ، وفضيلةِ مساعدةِ الغيرِ والمشاركةِ فيها.
- من جهةٍ أخرى العملُ على تطويرِ قدراتِ الفريقِ الصحيِّ والاجتماعيِّ والنفسيِّ في جامعاتِنا ومستشفياتِنا ومؤسساتِنا الاجتماعيةِ، بما يمكنُهم من تشخيصِ وعلاجِ وتأهيلِ وتثقيفِ أيِّ اضطرابٍ ومرضٍ يتعلقُ بهذا الإدمانِ، المعاناةُ هنا هوَ كيفيةُ التعاملِ معَ كلِّ هذا بخططٍ استباقيةٍ للوقايةِ وهيَ الأهمُّ والمتمثلُ في رفعِ مستوياتِ الوعيِ الشاملِ، حرصاً على نشرِ رسائلَ توعويةٍ لإيصالِها بكافةِ الطرقِ المتاحةِ والأساليبِ لجميعِ أفرادِ مجتمعِنا المستهدفِ، وذلكَ بصورة تسهمُ في نجاعةِ العلاجِ وأدواته.
- خلاصةُ القولِ الإدمانُ الرقميُّ آفةُ العصرِ، فلْنعدْ العدةَ جميعاً لمواجهتِها والتعاملِ معها وتكثيفِ الإرشادِ والمتابعةِ، والعملِ على دعمِ وتمويلِ الأبحاثِ والدراساتِ بأنواعِها لإيجادِ الحلولِ المثلى بما يناسب دينَنا وطبيعةَ مجتمعِنا وتربيةِ أبنائِنا.
* جامعةُ الإمامِ عبدالرحمنِ بنِ فيصل