- قال جابر بن عبدالله الصحابي الجليل كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزاة، فقال: (إن بالمدينة لرجال ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم؛ حبسهم المرض. وفي رواية: إلا شركوكم في الأجر.)
- النية مناط قبول الأعمال، فبقدر ما تحسن من نيتك وتطيبها بقدر ما يعود عليك من الفضل والخير والثواب، فكما في الحديث الشريف، أن أقواما لم يذهبوا مع رسول الله في غزوة تبوك، إلا أنهم شاركوا من ذهب معه في الأجر، بتلك النية الصالحة التي كانوا عليها، فكمْ من أعمال عظيمة قد تحسب لنا بنوايانا الصالحة، وكمْ من أجور تكتب لنا إذا استحضرنا نية ذلك، إنها نعم يفيض بها علينا المولى -عز وجل- ويرفعنا بها دون أدنى جهد.
- والنية الطيبة، تعين المرء على قضاء حوائجه، وتسهيل أموره الدنيوية، فيسخر الله له من يقضي حاجته ويسهل له أمره، وهي أيضا من علامات الإيمان، حيث قال عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وصاحبها كذلك، تجد أنه محبوب لدى الناس، تأنس له ولمجلسه ولحديثه، وتسعد بحضوره، وتفتقده إذا غاب، حسن العمل، راقي الأخلاق، صافي القلب، طيب السريرة.
- والنية الطيبة، لا تعني السذاجة والضعف، بل تعني نقاء الجوهر، والحرص على التعامل مع الناس برقي ووضوح، كما قال عليه الصلاة والسلام (وخالق الناس بخلق حسن)، فليس من صفات صاحب النية الطيبة، الغدر أو الطعن في الوراء، أو تصيد الزلات والأخطاء، أو التشكيك في النوايا والمقاصد، بل على العكس تماما.
- وخلاصة القول، أحسن النية ولا تبالي لمن يعتبرك ضعيفا، أو يشكك في نيتك، فأنت تعمل لترضي ربك، وهو العالم بصدق نيتك وقصدك، ولا تكترث لكلامهم، فمهما كان ما تخفيه صاف نقي، فأصحاب القلوب المريضة، لا يرون إلا غبشاً ودنسا، واعلم أن اصفى الخلق نية، نبي الأمة صلوات ربي وسلامه عليه، لم يسلم من التشكيك في قصده ونيته، ولكن العمل الصالح يبقى، والناس تذهب وتجيء ، قال تعالى (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، واعلم كذلك بأنه على قدر صفاء النوايا تكون العطايا.
قال مصطفى صادق الرافعي
إن الله لا يعامل إلا بالنية، ولا يكتب في سجل الحسنات، إلا الأرقام القلبية.