من خلال مراقبة أرقام التوطين التي تم الإعلان عنها خلال الثلاث سنوات السابقة، نجد هناك ارتفاع تدريجي واضح في أعداد المشتغلين السعوديين بالقطاع الخاص، ووصلنا لمستويات قياسية تاريخياً، مما يعني هناك دخول واضح وناجح لمشتغلين سعوديين في سوق العمل، وأرى أن السبب الرئيس لذلك هو اعتماد وزارة الموارد البشرية بشكل كبير على التوطين النوعي والذي يساهم بشكل كبير في الاستقرار وتحقيق مستهدفات الرؤية المختصة بسوق العمل بشكل أسرع وأكثر مرونة.
قرارات التوطين النوعية سنجني ثمارها بشكل أسرع من المتوقع، فعلى سبيل المثال قبل ما يقارب الثلاث سنوات، بدأت وزارة الموارد البشرية بتطبيق قرار وزاري مختص في توطين المهن الهندسية بنسبة ٢٠٪، وكان المستهدف من القرار توفير ما يقارب ٧٠٠٠ وظيفة، وخلال ما يقارب العشرة أشهر تجاوزنا المستهدف بنسبة تحقيق تقارب ٢٢٩٪، بمعنى أوضح كان للقرار تأثير في مضاعفة المستهدف منه خلال فترة العشرة أشهر تقريباً، وفي ذاك الوقت؛ مع الإصلاحات التي تمت على سوق العمل ومع الإعلان عن التوجه للتوطين القطاعي؛ كنت على يقين بأن سوق العمل مازالت فيه فرص عديدة لاستيعاب عدد أكبر من السعوديين في المهن الهندسية، وكنت مؤيداً لمراجعته وتحديثه بشكل دوري من خلال رفع نسب التوطين تدريجياً، ومن خلال هذا القرار فأنا متفاؤل بتحقيق فرص عمل أكثر من المستهدف منه خلال هذا العام.
بالعودة لمؤشرات سوق العمل التي يتم الإعلان عنها بشكل دوري من خلال المرصد الوطني للعمل، كان هناك استقرار مميز في مؤشر استدامة الموظفين السعوديين، بالإضافة إلى نمو مميز في معدلات الأجور للسعوديين بالقطاع الخاص، وهذا دليل على وجود أثر إيجابي تم تطبيقه في سوق العمل كقرارات التوطين النوعية والتي صاحبها تحديد حد أدنى للأجور للإحتساب في برنامج نطاقات، فالقاعدة في سوق العمل واضحة وهي "أي ارتفاع أو تحسن في مؤشرات استدامة وأجور الموظفين يعتبر انعكاس لإصلاحات ايجابية تم تطبيقها في سوق العمل للمحافظة على القوى العاملة وتطويرها".
من يعتقد بأن هناك خطر من رفع نسب التوطين في المهن الهندسية فهو مخطئ، لأن الخطر من وجهة نظري الشخصية هو التأخر في عدم الاستفادة من الفرص النوعية في المهن الهندسية ورفع معدلات التوطين فيها، ومازلت أرى مساحة أكبر لرفع معدلات التوطين في هذه المهن بشكل سنوي، بما أن استجابة طرفي سوق العمل "منشآت القطاع الخاص وَالعمالة" كانت إيجابية لمثل هذا القرار.
ختاماً؛ لاثبات العلاقة التكاملية الناجحة ما بين أطراف سوق العمل الثلاث "العامل، صاحب العمل، الجهات التشريعية"، نجد أن نتائج التوطين النوعية تعتبر اثبات واقعي لهذه العلاقة، فالجهات التشريعية قدمت الممكنات والمحفزات ومنح فترة السماح قبل تطبيق قرارات التوطين، وأصحاب العمل بادروا في الاستفادة من المحفزات وتوظيف السعوديين والعمل على تدريبهم وتطويرهم، وبنفس الوقت العمالة السعودية من الجنسين أثبتوا نجاحهم وتميزهم من خلال تمكينهم لدخول السوق العمل، وهذا هو الأساس لترقية سوق العمل بشكل أكثر مرونة.