- هذه الجهة هي الرافد الحقيقي لاستمرار تدفق شاعريتك دون أن تنضب، كل الشعراء الذين نضبت الحياة في عروقهم، معتمدين فقط على اللغة، انطفأت فوانيسهم وسط الطريق، ولم يسعفهم الزيت الشحيح الذي تمده لهم اللغة، وكونك شاعرا لا يعني فقط، أن يكون من أولوياتك قراءة الشعر وما يستلحقه من إبداع، بل علينا في لحظة من اللحظات أن ننسى الشعر كي نكتب نصا شعريا متميزا، ماذا أقصد من وراء ذلك ؟ إن اكتسابنا لقاموسنا الشعري لا يأتي من الحياة، بل من اللغة والاطلاع على آدابها، لكن عنصر التأمل في الحياة يجعلنا نخلق علاقات جديدة بين كلمات هذا القاموس، خارج إطار علاقات هذا القاموس، عندما نقول أن الحياة مليئة بالشاعرية، ماذا يعني ذلك بالنسبة للشاعر؟ مخيلة الشاعر وحدها القادرة على خلق شبكة عوالم وعلاقات بين الطبيعة وبين الإنسان، بين الإنسان والإنسان نفسه، بين الثقافة والتاريخ.
- هذه مواضيع إذا ما تأملها الشاعر وكتبها بلغته، يصبح شاعرا إنسانيا ووجوديا بامتياز، لا شاعرا تتوقف شاعريته على اللغة في علاقتها بالذاكرة. عزيزي كونك شاعرا لا يعني سوى شيء واحد هو امتلاء حواسك بالحياة: الأمكنة وأزمنتها، الشخوص واختلاف أجناسها، الثقافات وتنوع عاداتها وتقاليدها. الحواس التي تمتلئ بهذه الأشياء يوما ما سيشبه جراب الشحاذ الذي جاب العالم، وكلما وجد شيئا ثمينا مهملا في الأرض وضعه في جرابه، وفجأة بعد زمن طويل تحول إلى هذا الجراب إلى ذهب يلمع مثل الضوء. هكذا يكون الشاعر في علاقته بالحياة والعالم، في مثل سنك كنا نتخبط، نرمي سهامنا في الليل ولا ندري هل أصبنا فريسة الشعر أم أخطأنا؟ لا أريدك أن تكون نسخة مني، ولا من أي شاعر آخر.
- إن قتل الأب في الأدب لا يعني سوى فهمه وهضمه، وأنت بالتأكيد قادر على ذلك بموهبتك. دعني أصارحك، لا تلتفت إلى النقاد، ابحث عن ثغرة في كلامهم، ثم وسع من نطاقها حتى لا يحجبوا عنك ضوء القصيدة. القصيدة أبدا لا تسير سوى مع شاعرها، لا تلتفت إلى الوراء، عش اللحظة حين تسير مع قصيدتك، لا أخفيك لقد مللت القراءات النقدية، فلا جدوى من قراءة تسير بعكازين من ثقل مقولاتها الفكرية، بينما القصيدة تسير كالبرق. الفكر متضمن في القصيدة وليس متخارج عنها،وهو عمل شعري بامتياز، لا دخل ليد النقاد فيه.
@MohammedAlHerz3