عندما تقرأ سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم تجده بُعث وعمره أربعون سنة وفي كتب السيرة:ولما تكامل له أربعون سنة ـ وهي رأس الكمال، وقيل : ولها تُبعث الرسل ـ بدأت طلائع النبوة تلوح وتلمع، فمن ذلك أن حجراً بمكة كان يسلم عليه، ومنها أنه كان يرى الرؤيا الصادقة؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
سن الأربعين مرحلة مفصلية وهي بداية النضجو الانطلاق، وأغلب المبدعين ظهروا بعد الأربعين، والبعض راجع ما كان قاله وفعله قبلها، ومع خطورة هذه المرحلة ولذلك تجد في تاريخنا العظيم تحذيراً وتخويفاً منها، فيقول الإمام النووي: «نقلوا أن أهل المدينة كانوا إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تفرغ للعبادة»، وقال الإمام مالك: «أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا والعلم ويخالطون الناس، حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة، فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس واشتغلوا بالعبادة حتى يأتيهم الموت»، ونُقل عن مسروق: «إذا بلغ أحدكم أربعين سنةً فليأخذ حذره من الله عز وجل»، وعندما سئل: متى يؤخذ الرجل بذنوبه؟ قال: «إذا بلغت الأربعين فخذ حذرك»
ومع أهمية ما سبق إلا أني أجد الأربعين يجب أن تكون بداية انطلاقة متجددة، أكثر نضجاً وأكثر حكمة وأكثر واقعية، وقد قال الله جل جلاله: « حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» وقال أبو الفضل الميداني:
تنفس صبح الشيب في ليل عارضي
فقلت: عساه يكتفي بعذاري
فلمــا فــشــا عــاتـبـتــه فـأجابـنــي
ألا هل يرى صبح بغير نهار؟
وقال ابن عقيل:
ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي
ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي
وإنما اعتاض شعري غير صبغته
والشيب في الشعر غير الشيب في الهمم
العقلاء يراعون لكل مرحلة عمرية وضعها، ويجعلون كل مرحلة من مراحل العمر مرحلة انطلاقة بما يناسب هذه المرحلة.
يا أبناء الأربعين والخمسين والستين والسبعينوالثمانين وما فوقها، انطلقوا ولا تتوقفوا فتكونوا عالة.
@shlash2020