في تدشينها لشعارها الجديد وفي حلتها الجديدة أطلقت جامعة حكومية كبرى على عدد من مرافق الجامعة أسماء شخصيات اعتبارية من خارج الجامعة مقابل دعمهم لها، وعلى الرغم من مشاعر الإعجاب والشكر الذي يستحقه هؤلاء الداعمون في دعمهم للجامعة، إلا أن هذا القرار بحاجة إلى الوقوف أمامه مليا لكونه سابقة نوعية في تاريخ الجامعات لدينا من جهة ولأنه سوف يلقي بظلاله حتما على العملية التعليمية عموما في الجامعة.
بداية فإن للجامعة كل الحق في رسم سياساتها مع ما يتوافق مع رؤيتها الشاملة وفق خططها في تشغيل مرافقها وتسميتها بمن تشاء، إن الاستعانة برأس المال الخاص في تشغيل الجامعة أمرا لا غبار عليه، بل إن كثيرا من الجامعات تعتمده في سياساتها ضمن عملية التحول النوعي الذي يشهده التعليم عموما وفق رؤية 2030 الطموحة.
غير أن الاستعانة برأس المال الخاص في دعم الجامعة شيء وتسمية مرافق الجامعة بأسماء من خارج السلك الأكاديمي أو العلمي أو الأدبي شيء آخر، وهي سابقة نوعية قد تحمل من التبعات المستقبلية أكثر مما قد تحصل عليه الجامعة من فوائد.
في جامعات الغرب مثلا تسمى مرافق الجامعات ومراكز أبحاثها وقاعاتها الدراسية بأسماء علماء وأساتذة تربوا في هذه الجامعات أو درسوا فيها أو عملوا فيها فترة من الزمن، وعادة ما تتصدر منحوتات هؤلاء مداخل كل قاعة وكل مكتبة وكل مركز ابحاث، إنهم كلهم أكاديميون وعلماء بل ورؤساء دول وحملة جوائز نوبل أو ما يقابلها في مختلف التخصصات، الشعراء والأدباء والمفكرون والفلاسفة هم من تطلق أسماؤهم على مرافق جامعاتهم، هذه الشخصيات تحفز همم الطلبة وتجعل من هؤلاء الرواد نماذج تحتذى في التحصيل المعرفي والأكاديمي.
وماذا عن تأثير ذلك القرار على اعضاء هيئات التدريس بالجامعات وهم يرون رأس المال الخاص قد وصل إلى فصولهم الدراسية، الأكاديميون أغنياء من التعفف. إن من شأن هذه السياسة أن تدفع برأس المال الخاص لأن يكون المعيار الأهم في إدارة الجامعة لا مستواها الأكاديمي، إن اقتحام المال الخاص لحرم الجامعة غرس في غير محله، إن من شأن ذلك أن يقلل من مكانة الجهاز الأكاديمي في أعين الطلبة ويجعل من رأس المال فقط الهدف الأول للتحصيل العلمي وفي هذا ابتعاد للجامعة عن رسالتها، ومن باب المقاربة فقط أنظر الى الملاعب الرياضية وبمن تسمى، وانظر الى أسماء القاعات في الأندية الأدبية، وانظر الى المحال التجارية ولافتاتها، فلكل مجال اسماؤه وأعلامه ورواده.
قد لا يكون هناك ضير في اتباع هذه السياسة في الجامعات الخاصة، كما أن تسمية الكراسي البحثية بأسماء الداعمين أمر متبع في كثير من الجامعات، وقبل هذا وذاك فإن الإنفاق الحكومي ولله الحمد سخي بل وغير مسبوق، وجامعاتنا ليست بحاجة إلى القطاع الخاص على الأقل ليس لدرجة ماسة، كل ما يحتاج الأمر هو مجرد ترشيد الانفاق وترتيب أولوياته في الجامعة.
قد لا تكون الجامعات لدينا نظرا لعمرها القصير نسبيا قد أنجبت علماء أفذاذ أو مفكرين أو حملة جوائز أكاديمية مرموقة لكي يسمى بهم، غير أن الوطن مليء بالأسماء والكفاءات العلمية والفكرية التي تستحق هذا الشرف.
[email protected]