- في مطلع الشهر الكريم يبحث كل مصلٍ عن المسجد الذي يجد فيه ضالته مما اشتمل عليه مفهوم الأنسنة من تفاصيل، وبالنسبة لمعظم الناس فإن صوت الامام هو العامل الأوحد في اكتظاظ المسجد بالمصلين، وعلى الرغم من أهمية صوت الامام في إشاعة السكينة والوقار في نفوس المصلين وما يتركه من طمأنية، إلا أن عمارة المسجد بقضها وقضيضها في أمس الحاجة للأنسنة، إن ما يجعل من المسجد مسجداً لدينا هو أنه مكان للصلاة «للسجود» أما عمارته فإن هذا موضوع مختلف كلية.
- ليس هنا موضوع الحديث عن عمارة المساجد فهي أكبر من مقال، هنا جانب ربما كان الأهم في أنسنة المساجد، فقد تحولت المساجد لدينا إلى فضاءات مفتوحة بامتداد ما يمكن للخرسانة المسلحة أن تبنيه، وتحولت إلى غرف عملاقة ممتدة بامتداد الأفق من جدار المسجد لجداره ومن بابه لمحرابه، لقد أصبح المسجد مجرد فضاء، فراغ، ساحة، سمه ماشئت.
- في هذا الفضاء لا يشعر المرء بأنه قد دخل أى مكان مخصص للعبادة، بل يشعر بأنه أصبح مجرد فرد في فراغ غير منتهي تم احتواءه فيه، في هذه الفراغات المفتوحة التي هي إلى المستودعات أقرب منها للمساجد، يفقد المسجد جانبه الديني والروحي ويتحول إلى بناء دنيوي، شأنه شأن أي بناء آخر، وهذا لب المشكلة وهذا ما يجب الحد منه، وهذا ما يجب أنسنته، وتكمن مشكلة تصميم المسجد لدينا في اتباع حل إنشائي يرى في إفراغ قاعة الصلاة من الأعمدة الحل الأمثل، بل إن تفريغ المسجد من أعمدته اصبح معياراً لجودة عمارته والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، هذا الحل بعينه هو الذي أصاب عمارة المساجد في مقتل.
- تاريخيا كانت كل مساجد العالم الاسلامي من جامع قرطبة الأفخم والأكثر أعمدة في تاريخ المساجد غرباً، إلى مسجد الأصحاب في اقصى جنوب الصين شرقاً، مساجد مؤنسنة لسبب بسيط هو أن الفرد يشعر فيها بأنه قد دخل مكاناً بني للعبادة حيث تعمل الأعمدة والعقود وأسقف المساجد على اعطاء بعد شخصي ديني روحي يجد الفرد نفسه فيه، هذا هو تاريخ عمارة المساجد، تعمل هذه العناصر المعمارية على تقسيم الفراغ العام لقاعة الصلاة إلى مساحات أصغر ذات بعد انساني وهذا أمر في غاية الأهمية، لشعور الفرد تجاه الفراغ الذي يؤدي شعيرته فيه، في أنسنة العمارة فإن المرء في أي فضاء كان، يحتاج الى درجة ولو بسيطة من الانتماء للمكان وهو ماكانت تؤديه هذه العناصر مجتمعه وعندما اجتثت فقد المسجد عمارته.
- في المقال القادم سيتم طرح بعض الأفكار لإعادة المساجد لسابق عهدها.
[email protected]