- وهذا الشهر الكريم إذا لم يمكن في دائرة تفكيرك واهتمامك طوال الوقت، فلن تستشعر الروحانية فيه، وقد قالوا في الأثر: من أحب شيئا أكثر من ذكره! فإذا كنت تفكر في رمضان دوما، فإنه من البديهي أنك ستحسن استغلاله حتى وإن كان جدولك اليومي مزدحم جدا، ولا فراغ فيه!
- والواقع يقول لنا إنه قد مضى منه ما يقارب النصف، وبقي لنا نصف آخر ينتظرنا. وهذا يعني أن الفرصة ما زالت بين أيدينا، ولم تذهب بعيدة عنا، وقد نُقل عن ابن تيمية -رحمه الله- أنه قال: العبرة بكمال النهايات، لا بنقص البدايات، ومن المعلوم عن الخيل أنها تبذل قصارى جهدها عند مشارف نهاية المضمار، فقد قيل: الخيل الأصيلة تلحق تالي. أفتكون الخيل أفطن منا وأحرص على حسن النهاية؟!
- ومن نافلة القول أن هذه الأيام هي فرص من الحياة وهدايا قد لا تعود مرة أخرى، واغتنام الفرص في مواسم الخير هي من سمات يقظة القلب والعقل معا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك». وروي عن الأمام أحمد أنه قال: « ما شبهتُ الشباب إلا بشيء كان في كُمِّي فسقط». يعني بذلك سرعة انقضاء الأيام.
القضية الأخرى التي قد نعاني منها وهي تصرفنا على رمضان وفضائله هي سرعة إيقاع الحياة، وكثرة المشاغل المتفرعة منها. والمشاهد أن الحياة العصرية صارت تجري بينا كسرعة الطائرات، فكل شيء تقريبا صار يتطلب منا سرعة في الانجاز، ويعزز هذه الطريقة التقنية الحديثة ومشتقاتها من اتصالات وسائل للتواصل الاجتماعي، وذكاء اصطناعي وغيرها من الوسائل التي تصب في خانة سرعة الأداء والاستجابة. أضف إلى ذلك، أن الحياة العصرية هي مادية صرفة، ويغلب عليها الطابع المنفعي «البرجماتية» فينتج عن ذلك طول الأمد، وقلة الروحانية وذبولها، فتصبح شكلا فاقدة للمعنى والروح.
- وهناك مسألة مهمة قد نغفل عنها ألا وهي نعمة الأمن والأمان، ووفرة المأكل والمشرب والملبس، وتوفر سلب الراحة والترفيه، وسهولة السفر بمختلف ووسائل النقل برا وجوا وبحرا آمنين، وهي نعم جليلة، الشكر عليها هو أولى الواجبات. والمتأمل إلى حال بعض الدول والتي هي ليست عنا ببعيد يعلم جيدا النعمة التي نحن نعيش فيها، ونتدفأ في أحضانها. هذه النعم لا تدوم إلا بمداومة الشكر، والمحافظة عليها بالبعد عن الإسراف أو البذخ أو التباهي «وهذا ليس تنظير ولا كلام يكرر، ولكن يعيه من يتأمل سنن التاريخ، ففيه عظة وعبرة للعقلاء»، خصوصا أن البعض منا قد اعتاد على تصوير كل شيء من حوله من خلال منصات التواصل الاجتماعي والتي يشهدها العالم أجمع.
- رمضان شهر كريم، يطل علينا كل سنة لينقلنا من سطوة الحياة المادية الجافة إلى عالم الروحانيات الذي هو مُتفلت ومتذبذب منا طوال عام.
@abdullaghannam