لذلك الوضع المأساوي الذي يعيشه أهل عزة لا يمكن فهمه أو حتى استيعابه بالنسبة لهؤلاء الشباب الذين لم يعاصروا المذابح والمآسي في الحربين العالميتين التي عاشتها بلادهم أوروبا، وإنما سمعوا عنها فقط، إلا بالرجوع إلى قراءة الإسلام والاطلاع على تاريخه من مصادره بعيدا عن الدعاية للإسلام فوبيا الذي ضخمها الإعلام السياسي الغربي، وهو اختراق كبير إلى درجة أن الكونغرس الأمريكي ناقش خطورة برنامج «التيك توك» ومحاولة إصدار قانون منعه أو حجبه.
والمتابع يلاحظ الإقبال على أمرين اثنين الأول البحث عن المصادر الموثوقة في قراءة تاريخ الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتاريخ صراعها مع العرب، بينما الثاني الإقبال على قراءة القرآن والتفاعل الكبير الذي ينتهي عند أكثرهم إلى اعتناق الإسلام ، وأودّ الآن أن أتوقف عند هذه النقطة الأخيرة التي أراها من الأهمية بمكان لأنها تثير ولا زالت إشكالية لطالما كانت محل نزاع بين جل الباحثين والمفكرين الذين درسوا تاريخ الفكر الإسلامي ألا وهي قراءة القرآن.
لكن نحن إزاء وضع جديد غير مألوف وتحت وطأة أحداث مزلزلة ربما يتغير معها الكثير من الأمور على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي في الشرق الأوسط والعالم، وإذ يوضع القرآن موضع القراءة عند هذه الفئة من الشباب للبحث عن القيم الإسلامية التي تبرر لهم السلوك الاجتماعي الفلسطيني لأهل غزة وصمودهم لهو وضع جديد في سياسات القراءات التي تم التطرق لها من طرف المفكرين للنص القرآني.
خلال حوار أجري مع الممثل الأمريكي الشهير ويل سميث عبر برنامج «big time bodcast» عن انطباعه حول القرآن بعدما اطّلع عليه أو قرأه فقد قال من جملة ما قاله «لقد أعجبت بالبساطة، القرآن بسيط جدا، الأمور فيه واضحة جدا ، فمن الصعب أن تنتهي من القراءة بأي سوء فهم».
عندما أفكر في هذه الإجابة يتبادر إلى ذهني الاجتهادات الكبيرة والتفسيرات الكثيرة والعميقة للقرآن في تاريخنا الإسلامي وشروحه ومتونه التي بنيت عليها العلوم الإسلامية من فقه وكلام وتصوف وفلسفة أيضا وكأن قراءة القرآن للفهم والتأمل عند الفرد المسلم المعاصر يلزمه أو ينبغي عليه «شرعا» أن يستوعب كل هذا التاريخ، وهو ما لا يمكن تحقيقه على الأقل بالنسبة للإنسان العادي غير الباحث أو المتخصص.
في كتابه «السنة والإصلاح» طرح عبدالله العروي حالة شبيهة بحالة الممثل ويل سمث، لكن في وضع مختلف فهو يقارب مسألة قراءة القرآن انطلاقا من رسالة يتلقاها من امرأة مسلمة افتراضية تعيش في الغرب في حياة علمانية بحتة وتتساءل في خشية على تربية أبنائها وفق التعاليم القرآنية.
السؤال عندي هنا يتعلق بالمثال الافتراضي الذي طرحه عبدالله العروي حول قراءة القرآن والهاجس الذي يكمن خلفه باعتباره هاجسا لا تبرح ظلاله تلوح بين الفينة والأخرى على المفكرين والمؤرخين والعلماء، ومن أبرز معالمه الدعوات التي تنطلق من هنا وهناك للعودة لقراءة القرآن بعيدا عن تأويلاته التي أرهقت بها الفرق الإسلامية والتراث الإسلامي.
@MohammedAlHerz3