لا توجد صورة تعبر عن الواقع بكل كامل ، كما لا يمكن حسم المعارك السياسية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية دون استخدام سلاح الصورة، حتى الصورة الشعرية قديما كانت بمثابة تلاعب لفظي بمخيلة المتلقي ليرسم تفاصيل حدث لم يعشه مما ينعكس هذا على قناعاته وآرائه ، ويعتبر التسويق في عالم الصورة إحدى الأدوات الرئيسية لجذب الانتباه وزيادة الوعي انطلاقا من قوة الصورة في نقل رسالة وإيصال أفكار بشكل سريع وفعال، مرورا بدورها الحاسم في جذب انتباه الجمهور وجعلهم يتفاعلون مع المحتوى بشكل أفضل من النصوص مما يساهم في تعزيز الانطباع الأول عبر نقل الرسالة غير اللفظية بشكل بصري يسهل فهمه وتذكره، وهو ما يزيد من قوة التفاعل مع المحتوى وزيادة معدلات المشاركة على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وحتى الأحاديث الشفوية..!
وتعتبر الإضاءة، التكوين، الألوان، التفاصيل، العمق، الحركة، من مقومات الصورة المؤثرة، حيث تلعب هذه العناصر مجتمعة دورًا حاسمًا في جذب انتباه المشاهد ونقل الرسالة بشكل قوي وفعال، ويعود مصطلح «حرب الصورة» أو «الصراع البصري» إلى الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بودريار، الذي استخدم هذا المصطلح للدلالة على الصراع الدائر بين القوى السياسية والاقتصادية والثقافية من خلال استخدام الصور ووسائل الإعلام لنشر الرؤى والمعتقدات والتأثير على الرأي العام، ويُعتبر بودريار أحد أبرز المفكرين الذين استخدموا هذا المصطلح لوصف الحروب النفسية والثقافية الدائرة في العالم الحديث، وهي حرب شهدت تطورًا هائلًا عبر التاريخ منذ ظهور الصور ووسائل الإعلام المرئية البدائية، وصولًا إلى عصر وسائل الإعلام الحديثة، حيث لعبت الصور دورًا حاسمًا في تشكيل وجهات نظر الجماهير وتوجيه الرأي العام، تاريخيًا استُخدمت الصور كأداة للتأثير والتلاعب، سواء في دعم الحروب أو تشويه صورة الخصم، مما أدى إلى تأثير كبير على مسارات التاريخ والأحداث العالمية ومع التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة انتشار الصور والمعلومات ودخول الذكاء الاصطناعي كعامل مؤثر يتعاظم باستمرار، أصبحت الصورة سلاحا لا يستهان به، وانبثقت معارك موازية مثل تزوير الصور وصناعة الصور وزاوية التقاط الصور.!
خلال العقود القليلة الماضية هناك صور رسمت ملامح الأحداث وأصبحت محورها الأهم، مثل صورة الطفل السوري عمران الذي وُجدت جثته على شاطئ تركيا عام 2015، وأثّرت بشكل كبير في وعي العالم تجاه أزمة اللاجئين السوريين، وصور اصطدام الطائرة ببرج التجارة العالمي في قلب نيويورك في سبتمبر 2011، وصورة سقوط تمثال صدام حسين وسط بغداد، وصور القبض عليه وصور ظهوره داخل قفص الاتهام في المحاكمة الشهيرة، وصور تعذيب العراقيين في سجن أبي غريب، وصور لوحات مثل «الموناليزا» لدافنشي، و»الجرنيكا» لبيكاسو، و»العرافة» لمونشي، وغيرها من الصور التي فاق تأثيرها في الوعي البشري ملايين الكلمات، هذه الصور تعكس القوة الهائلة التي تحملها الصور وتأثيرها في صناعة وجهات النظر وتوجيه الرأي العام نحو قضايا دون غيرها..!
ختاما: لم تعد الصورة بألف كلمة كما كان يقول كونفوشيوس الحكيم الصيني الأشهر، بل ربما أصبحت بملايين الكلمات.
@malarab1