إنه شهر رمضان قد مضى وانقضى، تاركا بصمات الخير على قلوبنا التي طهرناها بحسن الخُلُق والـصبر على الخلْق، وعلـى نفوسنا التي زكيناها وجاهدناها بالصيام، وعلى أرواحنا التي أصقلناها بالعبادة والقيام.. مضى أحب الشهور، ليختتم بعيدا، أحب الله أن يجمعنا فيه هـنا في بيته ليعطي من صام وقام العيدية. عيد الفطر، يوم بشر اللهُ الصائمَ فيه بالـفرح علـى لـسان حبيبه المصطفى «صلـى الله علـيه وآلـه وصحبه الأخيار» فقال : «للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لـقاء ربه» ، في يوم الـفرح هذا نتجمل بأحلـى الـثياب، ونتعطر بأزكى الروائح، ونظهر بأبهى صورة.
ثم نقف وجها لـوجه أمام مرآة تعكس مظهرنا، فنتلفت يمينا وشمالا لندقق بتفاصيل طلتنا، فإن كان في الثوب ثنيةٌ عدلناها، أو فَتقةٌ رتقناها، أو غبرةٌ نفضناها، فسبحان الله العظيم! ما أحرصنا على أثوابنا!
في هـذه اللحظة الـتي يتراءى فيه جمال زِيِّنا ورِيِّنا، يهمس صوتٌ خافت في داخلنا قائلا: هلا تجملون أرواحكم كما تجملون أثوابكم؟ فيا كرام!
لا حلاوة للعيد حينما نجمِّل الألـباس، ونزيِّف الأرواح! فهيا نجمل أرواحنا أيها المؤمنون! هيا بنا نفشي السلام على من نعرف ومن لا نعرف، هيا بنا نمسح ما علق في القلوب من حسد أو غل أو غيظ!
هيا بنا نزرع البسمة على الكبير والصغير، والمريض واليتيم، والفقير والمسكين، والمعوَّق والمسجون!
تعالـوا نهجر الـعبوس، لـنبدلـه ببسمة تعلو محيانا، فنزيل الـكآبة عن قلـوبنا، ونبثها بين أهلينا ومجتمعاتنا. ولنغتنمِ العيد فرصة نجتمع فيها على المحبة الخالصة التي لا يشوبها تملق ولا نفاق ولا زيف، فنصلُ من قطعنا، ونعفو عمّن ظلـمنا، ونعطي من حرمنا! ونبذلُ نَدانا – أي خيرنا-، ونكفُ أذانا، فإن هذه أخلاقَ نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار . ثم اعلـموا أن حكمة تحريم الصيام في هـذا الـيوم العظيم، هي أن الله يحب أن نتزاور فيه، ونتناول الطيبات من الرزق الحلال، فنُدخل بذلك السرور على أسرنا، وأقاربنا. لا تضيعوا الملـكات الـتي اكتسبتموها في هذا الشهر الفضيل، فلقد رسم شهر رمضان لكثير من النفوس وشم الإقبال على العبادة الذي أوصلها إلى صفاء في الروح، ولذة في المناجاة، وصدقاً في التوجه، وأودع في نفوس الكثيرين درساً عظيماً مفاده: أن الإنسان مهما أحاطته المعصية، وأركسته – أي قلبت أوله على آخره- في حمئها- أي طينها الأسود-، ومنعته عن التحليق في سماء رضا الله سبحانه، إلا أنه قادر - بإذن الله - تعالى على تجاوز هـذا المنعطف في حياته متى ما يقرر أن يكون بين يدي الحق سبحانه، كما هي حاله في شهر رمضان.
وعليكم بالإبقاء على الدعاء، فقد ورد عن أمير المؤمنين - عليه السلام - : «أحب الأعمال إلى الله في الأرض الدعاء» ، و» من استأذن على الله سبحانه أذن
له» ، و» من قرع باب الله سبحانه فُتح له» تقبل الله أعمالـكم وجعلـنا الله وإياكم من الفايزين والغانمين والعاملين وكل عام وأنتم بخير وعافية.