هناك عدة تعريفات للتنمية البشرية، وأرى أن الأقرب لها عند التطرق لسوق العمل هو الجهود والمبادرات التي تهدف إلى تحقيق توازن مستدام بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية في سياق سوق العمل، وذلك لضمان تحقيق تنمية مستدامة على المدى البعيد ورفاهية الأفراد والمجتمعات، وللتنمية البشرية ثلاثة أبعاد أساسية وهي على النحو التالي: «حياة صحية، معرفة، مستوى لائق من المعيشة».
لتوضيح مفهوم التنمية البشرية بشكل مبسط، أرى كوجهة نظر شخصية أنها تشمل على ثلاثة جوانب رئيسية، الأول؛ «توفير فرص العمل الكافية والمستدامة»، والتي من خلالها يتعين توفير فرص عمل ذات جودة عالية ومستدامة للأفراد، بحيث تضمن التنمية الشخصية والاقتصادية للأفراد على المدى الطويل، والثاني «المساواة والشمولية»، وذلك من خلال التكافؤ في فرص الوصول إلى العمل، وتطور القدرات بين الجنسين وبين مختلف فئات المجتمع من خلال توفير فرص التعليم والتدريب، وضمان عدم وجود أي تمييز أو تحيز في سوق العمل، والثالث ما يُعرف بـ «الحماية الاجتماعية»، والتي من خلالها يتم توفير نظام حماية اجتماعية فعال في سوق العمل.
رؤية المملكة تضمنت استراتيجية تهدف إلى رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، حيث أن مشاركة المرأة في سوق العمل واندماجها في النشاط الاقتصادي يقود إلى تحقيق كثير من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية، إضافة لدوره في رفع معدلات التراكم المعرفي ورفع القدرة التنافسية داخل سوق العمل، ومن خلال إحصائيات سوق العمل نجد أن هناك تطوراً كبيراً بدأ بالتزامن مع طرح رؤية المملكة، وكثير من المؤشرات الخاصة بالمرأة في سوق العمل تحسنت بشكل كبير وملفت، وأغلبها حقق مستهدفات الرؤية قبل موعدها المحدد، وهذا يدل على الأثر الإيجابي لاستراتيجية التنمية البشرية في المملكة، وأيضاً على نجاح الإصلاحات العديدة التي تم تطبيقها في سوق العمل.
من اطلاعي على بعض الدراسات التي لها علاقة بأثر التنمية البشرية على مشاركة المرأة في سوق العمل، فلا أتفق مع نتائج أغلبها والتي استنتجت عدم وجود تأثير للتنمية البشرية على مشاركة المرأة في سوق العمل السعودي على المدى القصير، وأن هناك أثر فقط على المدى البعيد، والشاهد على ذلك التحسن الكبير والواضح في المؤشرات المتعلقة بالمرأة في نشرات سوق العمل الربع سنوية.
الأرقام هي من «تتحدث»، ففي الربع الأول من عام 2017، وصل معدل مشاركة الإناث السعوديات في القوى العاملة إلى ما يقارب 17.4%، وبدأ بالارتفاع التدريجي إلى أن وصل لما يقارب 35.5% في نهاية عام 2023، متجاوزاً هدف الرؤية السابق الذي كان عند 30% قبل رفع استهدافه مؤخراً إلى 40%، والذي أعتقد أننا سنصل له -بإذن الله - قبل عام 2030.
ختاماً؛ ما نراه اليوم من مؤشرات للمرأة في سوق العمل يلخص لنا بأن هناك أثر للتنمية البشرية على مشاركة المرأة في سوق العمل السعودي على المديين القصير والطويل، ولذلك من المهم الإشادة في تلك المؤشرات وإبرازها بشكل أوسع.
@Khaled_Bn_Moh