مدينة سيت تُعرف بمدينة الشاعر الفرنسي المشهور بول فاليري «١٨٧١- ١٩٤٥ «ورفاته مدفون في مكان يسمى المقبرة البحرية تيمّنا بقصيدته المشهورة والتي تحمل الاسم نفسه.
المدينة صغيرة وعدد سكانها لا يتجاوز الستون ألفا، وأغلبيتهم يعملون بالصيد لكنها مدينة ساحرة تلهب المخيلة بجمالها وفتنة شمسها الساقطة على البحر.
لكن ما يلفت النظر، وهذا ما أريد التركيز عليه هنا، هو تجربة القائمين على المهرجان في طريقة إدارته وتنظيمه حتى أصبح الأكثر شهرة من بين الكثير من المهرجانات الكثيرة التي تزخر بها أوروبا والعالم.
خلال تسعة أيام يقضيها الشعراء كضيوف على المهرجان تكون المدينة بأكملها في حالة استنفار، لأن جميع الأهالي مساهمون في التنظيم والحضور والاستقبال ، فقد تجد نفسك كشاعر مشارك ضيفا عند إحدى العوائل الميسورين خدمة للمهرجان ودعما له، أو قد يتبرع هذا المطعم أو ذاك التابع للأهالي في المساهمة بالوجبات اليومية من غذاء أو عشاء لمدة الأيام التي يقضيها الضيوف في المهرجان، ناهيك عن التخفيضات التي تعطى للضيوف والتي تكون على شكل «كوبونات» تصل إلى ثلاثين % في حال إذا ما تسوق الضيف في أسواق المدينة، وهذه الكوبونات هي من تبرعات الأهالي أنفسهم، هذا غير الترحاب الذي يراه الضيف في طرقات المدينة وبين حاراتها من صور تعلق على لوحات كبيرة وفيها عبارات شعرية للشاعر الضيف .
أما في الجانب الذي يتعلق بالأمسيات الشعرية والموسيقية ، فمرافق المدينة جميعها تستقبل قصائد الشعراء بإلقائهم، فتارة هناك أمسية داخل كنيسة أو في حديقة عامة أو في زورق صغير على الساحل أو في مقهى أو على حافة النهر أو في عربة صغيرة يجرها حصان أو هناك أمسية شعرية مصحوبة بالموسيقى بين الحارات الضيقة بحيث ترى الناس يطلون من شرفة منازلهم للإصغاء والاستماع ..ألخ.
هذه التجربة لا تغيب عن ذهني وأنا أضع تجربة الشريك الأدبي كتجربة عملت حراكا كبيرا في دفع الفعل الثقافي والإبداعي إلى أن يكون جزءا من النشاط الاجتماعي الثقافي اليومي في المملكة.
لكن رغم النجاح الكبير الذي حققه المشروع على مستوى تفاعل فئات المجتمع وانفتاح الجميع صغيرا وكبيرا إناثا وذكورا في المساهمة من خلال المقاهي المنتشرة في المدن، ومن خلال تنافسها لنيل جوائز المشروع، إلا أني أجد أن ثمة جوانب سلبية أفرزها المشروع نفسه، ينبغي على هيئة الأدب والنشر أخذها بعين الاعتبار، إذا ما أُريد للمشروع أن يستمر ويتطور، وهو على مشارف نهاية الدورة المقررة لهذا المشروع.
أظن أن تشجيع قوى المجتمع الأهلي المؤثرين، ولا أعني هنا المشهورين في السوشيل ميديا أو مشهوري صناع المحتوى الهابط، لكنها تلك القوى الاجتماعية التي تمثل شرائح من قبيل: أصحاب المهن والحرفيين والميسورين من فئات المجتمع المختلفة، وأصحاب الكلمة المؤثرة على حياة الناس اليومية.
والتشجيع في أبسط صوره تهيأت الأجواء والظروف لهؤلاء الناس أن يلتقوا أو يتحاوروا، حيث الغاية القصوى هو الحوار والالتقاء فقط لا غير، وهذه الحالة أشبه بقيام الدولة بإنشاء مرافق عامة تخصص لممارسة رياضة المشي وتحث الناس على الالتزام بها بشكل يومي، كذلك الفعل الثقافي ينبغي على الهيئة أن تفكر باستثمار جميع قوى المجتمع وأظن أن الشريك الأدبي نواة يمكن البناء عليها ، بالنهاية نحن نطمح كما رأينا في مهرجان سيت أن يشارك جميع الناس في إدارة العمل الثقافي وإنجاحه.