من خلال خبرة طويلة في المجال التعليمي تقارب العقدان، أجد أن ذلك ليس بالأمر المسلم به، ليجعل المنشغلون بالتعليم أو أولياء الأمور يصبون جهودهم عليها، فالمشاهد أن التنافس المحموم على الدرجات له عواقب وخيمة ، منها التنافس الغير شريف بين الطلاب، والأنانية، والسلبية، ثم ما قد يلحقها من أضرار نفسية واجتماعية، في تضخيم التعثر وتحويله إلى فشل ذريع. ففي دراسة بحثية، توصلت إلى أنه رغم قدرة المتفوقين على تكوين العلاقات الاجتماعية وشعورهم بأنهم متميزون في المهارات الاجتماعية والأكاديمية إلا أنهم دائما ما يشعرون بأنهم أقل سعادة من الطلاب غير المتفوقين الذين لا يقيمون أنفسهم اجتماعيا وأكاديميا.
ولقد تتبعت عددا ليس بالقليل ممن كانوا متفوقين دراسيا، فوجدت أن معظمهم أصبحوا في مواقع عادية لا تتناسب مع ما بذلوه من جهد خلال فترة الدراسة، في حين أنني وجدت أن الكثير من الطلبة غير المتفوقين، أصبحوا أكثر نجاحا وتفوقا في حياتهم العملية.
ولا يفهم منه أنني أعني بذلك ، أن يترك الاجتهاد والمثابرة، بل أجد أن الأولى أن ينصب تركيزنا على تطوير مهارات الطلبة أكثر من الاهتمام من حصولهم على الدرجات، فيتم التركيز على تعلم مهارات حياتية مختلفة تسهم في نجاحهم وتقدمهم ، كمهارة البحث، للحصول على المعلومة من مصادرها، ومهارة التحليل والاكتشاف، ولا أنسى أن أشير كذلك، إلى المهارات الاجتماعية المختلفة، كالاتصال الفعال، وحل النزاعات، والتعامل مع الآخرين، والمسؤولية، فالحياة العملية ليست كتابا يحفظ، وليست اختباراً يستعد له بإجابات محددة، بل هي خبرات متراكمة ومهارات تكتسب بالتدريب والمحاولة والمحاكاة والابتكار للوصول للإجادة والتميز.
ولعلنا نلحظ اليوم انشغالا محموما بين الجيل الحديث من المربين، في حرصهم الزائد على تحدث أطفالهم بلغة غربية بغرض أن تكون طريق سهل لهم للنجاح، وأن ذلك كفيل بجعل الطفل مميزا في المستقبل، ولكن المشاهد أن عددا من كبار الناجحين أكاديمي أو عمليا، ليسوا ممن يملكون تلك اللكنة الغربية، لذا، فلنحذر من أن يسهم ذلك في تعزيز فقدان الطفل لهويته، مما سيكون له عواقب وخيمة على تكوينه النفسي والاجتماعي والثقافي والفكري.
@azmani21