كلنا اليوم ينتظر ثورة الذكاء الاصطناعي التي لن تطول بحسب ما يردنا من مستجدات ليس لأن الأمر سهل، ولكن لأن الموضوع لم يعد يبني على العلم وحده، إنما على الاستثمار والتكسب والربح، فلم تعد النظريات اليوم هي الرائجة إنما المشاريع الربحية التي تعجل بالثورات العلمية والصناعية والابتكارات والمراحل بهدف الثراء.
وبحسب نظرية شومبيتر فإن الابتكار يعتبر البعد الحاسم للتغير الاقتصادي. والذي حدده وفق عناصر التغيير الاقتصادي التي ترتكز على: الابتكار، وأنشطة ريادة الأعمال، وقوة السوق، بل إنه جاهد إلى إثبات أن «قوة السوق الناتجة عن الابتكار يمكن أن توفر نتائج أفضل من التلاعب والمنافسة فيه»، وقال إن الابتكار التكنولوجي غالبًا ما يخلق احتكارات مؤقتة، مما يسمح بأرباح غير طبيعية يمكن أن يتنافس عليها المنافسون والمقلدون، وكانت هذه الاحتكارات المؤقتة ضرورية لتوفير الحافز للشركات لتطوير منتجات وعمليات جديدة.
ولنا أن نتصور وفق ذلك، كيف تطور الفكر الابتكاري؟، ففي السابق كانت غالبية المبتكرين أشخاصا شغوفين بالعلم والاكتشاف يقومون بعرض صناعاتهم واكتشافاتهم في المعارض أو بعرضها على المهتمين أو الممولين، اليوم صارت الشركات هي من تشتري العقول أو تجذبها إليها وإذا لم تحصل على مبتغاها، فهي من تقوم برعايتها منذ الطفولة لتشرف على التعليم وتساهم في نشأة الشخص المبتكر.
ولكن ماذا لو تولى «الذكاء الاصطناعي» نفسه هذه النظرية كلها؟
في تقرير نشرته مجموعة البنك الدولي قبل أيام بعنوان «التدمير الخلاق: استثمار الذكاء الاصطناعي لتحقيق الرخاء المشترك»، ذكر أن الذكاء الاصطناعي من منظور الاقتصاد الكلي، بات هو الحل المنتظر لمعالجة تباطؤ الإنتاجية العالمية، الذي أدى إلى تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة على مدار العقدين الماضيين. وبحسب تحليل «غولدمان ساكس» فإن الذكاء الاصطناعي سيزيد النمو السنوي لإنتاجية العمالة في الولايات المتحدة بنسبة تقل قليلاً عن 1.5 نقطة مئوية على مدى 10 سنوات بعد اعتماده على نطاق واسع. واستناداً إلى نمو سنوي بواقع 1.5% في المتوسط بين عامي 2007 و2019، فإن ذلك سيعني زيادة نمو الإنتاجية بأكثر من الضعف، وهي أعلى وتيرة نشهدها منذ الحرب العالمية الثانية.
كما يتوقع وفق «غولدمان ساكس» أن تحل مخترعات الذكاء الاصطناعي محل ما يصل إلى 300 مليون وظيفة بدوام كامل على مستوى العالم خلال العقد القادم، أي ما يعادل نحو 8.5% من القوى العاملة على مستوى العالم، ويقدر صندوق النقد الدولي أن نحو 40% من الوظائف على مستوى العالم معرضة لتأثير الذكاء الاصطناعي، وأن ما يصل إلى 60% من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة قد تتأثر لأن الذكاء الاصطناعي يؤثر على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية.
كل تلك الفوضى الإبداعية سترتبها ثورة «التدمير الخلاق» المعاصرة، والهدف ليس للتطور العلمي بقدر ما هو للربح والثراء بالمقام الأول.
@hana_maki00