علو في الحياة وفي الممات .. لحق أنت إحدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا .. وفود نداك أيام الصلات
فلم يكن سيمدحه ابن الأنباري وقد مات إلا لحسن أخلاقه، وحسن تعامله مع الناس ، حينما كان وزيراً..
إن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ومنذ توليه مقاليد الحكم في هذه البلاد المباركة، قد جاء بالحسم والحزم ، ومع حسمه وحزمه إلا أن اللين طبع من طباعه ، فهو الرجل القارئ للتاريخ ، الغزير في العلم ، عرف بحكمته وحنكته ، أن الألقاب لا تطبع إلا في أصحابها ، فمن فسد وأفسد لا يمكن جعله من أصحاب المعالي ، حتى لو قيلت فيه سنوات طويلة ، لأن علة التعيين ، هي تلك الأخلاق التي امتاز بها عن غيره ، وقوة التمكين تأتي من أسره لقلوب الناس ، وحسن تعامله ودماثة أخلاقه..
إن علو الأخلاق يرفع صاحبه ولو لم يكن ذا منصب ، فكم رفع الله أقواماً بحسن أخلاقهم ، وقد جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم (من تواضع لله رفعه) فهذا خلق واحد من أخلاق متعددة ، فكيف حينما يتصف الإنسان بأخلاق شتى؟؟ ويصاحب تلك الأخلاق منصباً رفيعاً يستطيع من خلاله خدمة مليكه ووطنه ومواطنيه؟؟
إن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ومنذ أعلنا حربهما على الفساد، قد أظهرا للعامة والخاصة ، أن لا أحد مستثنى من العقاب ، وأن لا أحد فوق النظام ، فمن أحسن أحسن إليه ، ومن أساء نال ما يستحقه ، ولعل المتأمل في قرارهم الأخير حفظهم الله يدرك منذ الوهلة الأولى عمق التفكير ، ومعرفتهم بالآثار التي تترتب على هذا القرار ، والكثير من الناس قد لا يستوعب، فاللقب حينما يسحب من شخص تمتع فيه لعدة سنوات ، وسمعه من القريب والبعيد لسنوات طويلة ، ثم في لحظة يرى أنه لم يعد من ذلك النوع ، يتأثر تأثيراً نفسياً قوياً ، بل هو عقاب إضافي يكفيه ولو أظهر أمام الناس أن لا شيء أثر فيه، لأن العقاب الذي يتلقاه الفاسد هو عقاب نفسي يحز في نفسه ، ولو تظاهر خلاف ذلك..
إن معرفة خادم الحرمين الشريفين وولي عده الأمين ، بقيمة الأخلاق ، وتأثيرها في تقدم المجتمعات وتأخرها ، جعلهما يريان أن الألقاب وحدها لا تكفي ، وأن الفساد منبوذ في كل زمان ومكان ، وأن الأخلاق لا تجتمع مع الفساد والمفسدين، وليس من شافع ولو كان أحسن في أوقات سابقة ، لأن العبرة بالديمومة لا بالظروف التي حوله..
إن العاقل الذي يدرك بواطن الأمور يعرف قطعاً، أن أكبر خسارة يخسرها المرء هي خسارته نفسه ، فالمفسد لا شك يعلم ويدرك أن أعماله تجعله يكره ذاته، حتى لو أعمته الألقاب وقتاً معيناً ، وأن صاحب الأخلاق الفاضلة يبقى نقياً أمام نفسه ودائرته المقربة إليه، حتى ولو فقد المنصب والألقاب ، وهنا ولي الأمر يضع ميزاناً عاماً لكل مواطنيه من مسؤولين بمختلف درجاتهم، أن المفسد لا مكان له في مجتمعنا، وأن اللقب شهادة سامية لا تطلق إلا على من يستحقها، فالمعالي هو علو ، وصاحبه إن سقط من ذلك العلو سقط لقبه معه ، خصوصاً إن كان سقوطه إلى حضيض يسميه الناس الفساد وأن قرار إلفاء لقب معالي ما هو إلا دليل على أن حكومة خادم الحرمين الشريفين ماضية في تطبيق النظام على الفاسدين والمفسدين..
حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، ووفقهما لما فيه خير الوطن والمواطنين.
محام