غير أن هذا الاستثمار لابد من أن يكون له بيئة عمل تحميه وإلا فإنه سيتحول كظاهرة «العقول المهاجرة»، كما جرى في غالبية الدول العربية التي تعرضت لهذا الانتهاك الصارخ بعد تطوير الرأس المال البشري فيها بالتعليم والتدريب، ثم بعد أن تتغير الحكومة والأولويات الوطنية والأهداف وتنعكس على بيئة العمل هناك، فلا يكون لهذه القوى البشرية المكلفة والتي تم العناية بها جيداً إلا أن تبحث عن بيئة ترضي طموحها وتعليمها وتطورها وتفكيرها الذي تم العمل على تغذيته بطريقة جيدة جدا بهدف الاستثمار فيه، لذا، فالذين بقوا بعدها بالتغيير والتهميش بعد كل ما صرف عليهم، أصيبوا بصدمة حضارية قاسية وتسبب ذلك في هدر للموارد المحلية وتدهور الاقتصاد بسبب عمليات الفساد وتدوير الوظائف.
لذا، يبقى السؤال المعدل، كيف يمكننا الاستثمار في القوى العاملة والاستفادة منها في الخطط التنموية والرؤية المستقبلية؟ حتى لا نضطر إلى هدر هذه القوى وهذا الاستثمار بأي شكل من الأشكال في حال تعرضه لأي مستجد؟ والاستفادة منه بأقل تكلفة بالمستقبل؟
أولاً يجب أن نفهم معنى الاستثمار حتى نتعرف على العملية المحددة هذه، فالاستثمار هو مشروع يهدف للربح أو التقدير «أو التقييم أو التثمين أي له قيمته في المستقبل»، لذا، يأتي الاستثمار في القوى العاملة كمشروع له قيمته المستقبلية التي تعود بالنفع على الاقتصاد وقطاعاته وعملية التنمية ككل.
وعليه يجب أن يكون الاستثمار في القوى العاملة «المحلية والوطنية» لا غيرها شرط أساسي، وأولوية حاسمة لضمان هذا الاستثمار وضمان بقائه وولائه في حال أي طارئ أو أزمة، وهو أمر أساسي لتدوير الرساميل البشرية وعوائدها داخل السوق المحلية بالذات في حالة الأزمات وحين المرور بدائرة الضعف بالدورة الاقتصادية، وهذه الميزة لن تعود على الدولة في وقتها فقط، بل إن هذه القوى البشرية ستساهم في تخريج أبناء مؤهلين لاستمرار دورها، بنسب جيدة وهو ما يضمن تمدد الاستثمار لأجيال متلاحقة دون عبء حكومي مباشر.
إذا ما على الحكومة اتخاذه هو دراسة السوق واحتياجاتها المستقبلية والقطاعات التي من الممكن أن يكون لها توجه في المستقبل القريب والاهتمام بالتعليم والتدريب والتأهيل والأهم تشجيع القطاع الخاص على الشراكة في هذا الاستثمار، وهذه الخطوة تقوم بها الحكومات الخليجية بكل جدية، ولكن تبقى الثغرة الوحيدة هي في بيئة العمل اللائقة التي يفتقدها السوق المحلي، والتأهيل للإدارة وتغيير النظرة النمطية بتجديد قواعد العمل و»الدوام» وهذا أمر ملزم اليوم بعد أن مررنا بتجربة العمل عن بعد، وبعد أن بات الاعتماد على خدمات الاتصال أمر أساسي، فأي تدريب بلا أرضية جيدة للعمل لن تصل للنجاح المطلوب.
فقطاع كالخدمات على سبيل المثال بات اليوم من أكثر القطاعات التي لديها فرصة كبيرة للتطور في المستقبل، وبقدر ما يحاج لقوى عاملة مؤهلة يحتاج لبيئة عمل جيدة.
@hana_maki00