نحن ننجذب نحو الأشياء البراقة ونتشوق دوما لشراء البضائع والخدمات التي نتخيل أنها ستجلب لنا السعادة، وهذا البحث المستمر يحد من تركيزنا ويجعلنا نفقد الإحساس بأشياء كثيرة حولنا تثري مفهوم الحياة، ونحن لا نفقد فقط الاستمتاع بالعالم من حولنا، ولكن من الممكن أن نتعثر ويلوى كاحلنا أثناء الانجذاب لإحدى الفترينات، أو يشرد ذهننا ونتوه عن أحد المخارج على الطريق بسبب استغراقنا في تخيل ما قد تكون عليه إجازة نهاية الأسبوع، ومن المحتمل أن ننشغل ذهنيا بالحوار الذي دار اليوم في المكتب ولا ننصت باهتمام لابننا وهو يحدثنا عن إنجازاته المدرسية أو خلافاته مع زملائه، وبينما نسعى في حياتنا اليومية لأهداف متشعبة لا حصر لها، نغفل عن ملاحظة الكثير المهم لشرود أذهاننا، ولو استفسرت عن السبب المتكرر لدخول الطوارئ في المستشفيات صباح الإجازات لاكتشفت أنها ببساطة حوادث ناتجة عن سكين المطبخ، فالذي يحدث أن عشرات الناس يكونون مشغولين بتجاذب أطراف الحديث مع عائلتهم في المطبخ بينما يقومون بتقطيع الخبز أو الخضراوات، وبما أن اليد لا يمكنها القيام بذلك دون توجيه مركز من العقل الواعي، فتنتج الحوادث عن ذلك، ولا يجب أن نتفاجأ من معلومة حوادث تقطيع الخبز، خاصة مع هذه الحياة الصاخبة التي نعيشها والتي تسود فيها الغفلة الذهنية، فنحن نقضي معظم أوقاتنا في التفكير في ذكريات الماضي أو توقعات المستقبل، وفي كثير من الأحيان نعتمد على الطيار الآلي في عقولنا، بحيث تكون عقولنا في جهة وأجسامنا في اتجاه آخر، كما لو أن للعقل جهار تحكم خاصا به، ولهذا فالتعريف الأمثل والأبسط للتأمل هو الوعي بالخبرة الحالية وتقبلها، وهذا تعريف بسيط لدرجة أنه يجعلك تصيح قائلا، أنا واع بالفعل لما أمر به ومتقبل له، لكن نظرة فاحصة صادقة لأحوالنا الذهنية تجعلنا ندرك أننا بعيدون كل البعد عنه، ويمكنك أن تلاحظ ذلك الآن ففي الوقت الذي تقرأ هذا المقال أين يذهب عقلك، فقد تفكر في الاتصال بأحدهم أو الرد على رسالة ما، أو قد تأخذك الأفكار بعيدا عن الوعي بدرجة حرارة الهواء المحيط بك، وما إذا كنت جائعا أو عطشان.
لكي تستعيد وعيك باللحظة يجب أن تتأمل أين يذهب انتباهك لحظة بلحظة، وأن تقبض على الأساليب المتعددة التي تجعل عقلك مشتتا أو مشغولا، فمعظمنا يمارس الغفلة كما يكون السمك في الماء، دون أن نلاحظ عقولنا وهي تغادر اللحظة الحالية، ولهذا حاول الآن أن تتذكر أين تجول عقلك منذ بداية قراءتك لهذه المقالة.
@LamaAlghalayini