للواقع الجيولوجي والجغرافي للأرض رأي وقرار نافذ، الأمر يبدو كلعبة سياسية في يد الطبيعة. تحدد من يستفيد وفق معايير، إلا أن هناك قوى تدخل عظيمة من البشر، تكسر لعبة الطبيعة السرمدية في تعاملها مع المطر. في نهاية الأمر يدفع الإنسان الثمن ولو بعد حين.
علينا أن نعلم أن هناك ثلاثة أوضاع لتواجد الماء على الأرض. تعمل كأوعية طبيعية لحمل الماء وخزنه، يأتي السؤال: أي وضع من هذه الأوعية يستفيد أكثر؟ هل تغذي مياه الأمطار العذبة كل هذه الأوعية الثلاث الحاملة للمياه؟ ما هي عوامل التحكم؟
«المياه السطحية» تأتي في مقدمة هذه الأوضاع الثلاثة لتواجد المياه العذبة، وهي المياه التي نشاهدها بالعين المجردة. يمكن لمسها باليد، يمثلها البحيرات والأنهار والجداول والغدران.
الوضع الثاني تمثله «المياه الجوفية المتجددة»، وهي المياه التي توجد تحت سطح الأرض. مياه لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، يمتد تواجدها بين حبيبات التربة حتى 50 متر تحت سطح الأرض، من المهم «جدا» أن نعرف أن هذا النوع من المياه يوجد تحت الضغط الجوي العادي.
الوضع الثالث.. «المياه الجوفية غير المتجددة»، هذا النوع من المياه محصورة في مكامن خاصة عميقة في جوف الأرض، تقع على أعماق تزيد عن 50 متر، وقد يصل عمقها لأكثر 2500 متر تحت سطح الأرض، تتواجد تحت ضغط هائل جدا، فهي تلفظ مياهها، وكأنها تحاول دفق الماء الذي تحوي بالقوة إلى سطح الأرض، مع أي فرصة، مثل حفر الآبار الارتوازية.
هذه الأشكال الثلاثة تتلقف مياه الأمطار وفق شروط، حيث تأخذ مواقع المياه السطحية نصيبها من مياه الأمطار مباشرة، ثم تأخذ المياه الجوفية المتجددة نصيبها من مياه الأمطار من خلال تسرب المياه بين حبيبات التربة، لكن مياه الأمطار الجوفية غير المتجددة لا تحظى بشيء من مياه الأمطار، لأنها بحاجة إلى ظروف استثنائية، لاستمرار نزول الأمطار بشكل دائم دون توقف، ولعقود عديدة، هذا ما نسميه العصور المطيرة، وقد توقفت قبل أكثر من 15 ألف سنة.
من هنا تتضح ملامح صورة جواب السؤال العنوان: أين تذهب مياه الأمطار؟ الحديث منصب عن الوضع في بلدنا المملكة - حفظها الله -، مياه الأمطار تتوزع في بلدنا بين أن تكون سطحية، أو تذهب لتغذية مكامن المياه جوفية المتجددة، بعد أن استبعدنا تغذية المياه الجوفية العميقة غير المتجددة في الفقرة السابقة.
حتى تكتمل صور طرح الجواب، لا بد من الإشارة إلى أن هناك عدو طبيعي غاشم يفترس مياه الأمطار في بلدنا بعد نزولها. تتعرض إلى ما يشبه غزوات الذئاب على قطاع الأغنام فتفترس أكثرها، نفقدها كما نفقد أي عزيز.. لكن دون بكاء وحزن. وللحديث بقية.
@DrAlghamdiMH