ويمكننا النظر إلى هذه العلاقة من عدة نواحي إنسانية وفطرية ودينية واجتماعية، وسوف تؤدي جميعها إلى نتيجة واحدة وهي أنها رابطة قوية ومتجذرة ولا يمكن فصلها عن أي أنسان مهما بلغ من القوة أو المنصب أو الجاه أو الثروة.. ويؤكد ذلك أيضا شعور الانتماء والحب النابع من الذات تجاه الوالدين، ولعل المتأمل للحسرات والعبرات التي تبقي دفينة في داخل الإنسان لفقدهما أو التقصير في حقهما هي صورة من صور ذلك الشعور العاطفي والنفسي.
وحديثنا اليوم عنهما لأن يوم السبت «1» يونيو يوافق «اليوم العالمي للوالدين» للتذكير بحقهما، وبالوفاء لهما، وهو جاء أيضا ليذكرنا بقضية مهمة وعظيمة من البر والإحسان إليهما، وفي ذلك شرف ورقي لنا، وهو ما يميله علينا الوازع الديني، والفطرة السليمة، والأخلاق النبيلة.
هذا اليوم العالمي من قبل هيئة الأمم هو هدية رمزية وذكرى لهما حيث قالت عنه: «ويثمن اليوم العالمي للوالدين، الذي عينته الجمعية العامة في عام 2012، الوالدين تثميناً عالياً لتفانيهماً في التزامهما بأبنائهما والتضحيات التي يقدمانها مدى الحياة نحو تعزيز هذه العلاقة»، بل من نُبل الأخلاق رد المعروف لمن أسدى لك معروفاً وخيراً، فما بلك بمن ضحى بعمره، وأفنى شبابه من أجلك دون مقابل؟!
ولو نظرنا إلى منزلتيهما من الناحية الدينية، فالأدلة مستفيضة ومتعددة حتى أصبحت من البديهيات، لقوة النصوص ووضوحها التي تدل على عظم حقهما.. فعلى سبيل المثال لا الحصر قوله سبحانه وتعالى: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا». وجاء في السنة النبوية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «سألت النبي ﷺ أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، وقال: قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله»، وفي حديث آخر: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر - كررها ثلاثاً - قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور». وجاء في الأثر: «رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين».
ولكن الواقع يشهد للأسف أن البعض منا لا يعي تلك المنزلة والحقوق إلا بعد رحيلهما أو قد لا يستشعر ذلك الحق فعلاً إلا حين يصبح هو في منزلتهما ولديه أسرة وأبناء .
ومن الملاحظ كذلك أن الحياة المدنية ونمطها العصري المادي بات يسطح العلاقات الأسرية بوجه عام، وأصبحت الـ»أنا» هي النزعة المتنامية لدى البعض.. ولأن أثر السير في هذا الاتجاه له عواقب وخيمة في التفكك الأسري على المدى البعيد، نجد أن رزنامة الأمم المتحدة ممتلئة بأيام عالمية أخرى مشابهة مثل: يوم الأسرة، ويوم الأم وغيرهما من أجل نشر الوعي والتوعية، والعودة إلى حضن الأسرة وتماسكها نظريا وواقعيا.
@abdullaghannam