في مرحلة الطفولة كنت أسمع بعض الكلمات، وبالضرورة أفهم تأثيرها لدى المتلقي الذي قد يكون رفيق اللعب، وربما لا أعرفها معناها المباشر، وفي الغالب أن تكراري لها يعني أن هناك فهماً ضمنياَ للكلمة موجود في ذاكرتي، وفي خريطتي اللغوية، وهو بذات القدر، وربما أقل أو أكثر لدي الطرف المقابل؛ لذا، نحن نستخدمها ونعيد استخدامها، ونختار وقتا معينا نستدعيها فيه لتحقق لنا فهم مشترك.
من الكلمات التي كانت تحضر دائماً في ملاعب الصبا، في فترات ما بعد العصر، وقت لعب كرة القدم على مساحات ترابية هنا، أو هناك في الحارة وبعيد عن الشارع «المقور» أي الذي غطي بالمادة الكيميائية القطران الأسود لذا، حمل هذا الاسم كما أظن ونسميه أيضاً «الرسته» واعتقد أن معناها المستقيم كما هي في الفارسية، المهم من مفرداتنا في ساحة الكرة اليومية تقريبا كلمة « الفرنكة» فنقول فلان ما أحد يحب يلعب معه، بمعنى لا أحد يفضل أن يضمه إلى فريقه وهذه العملية تتم في بداية التجهيز لدخول المعلب حيث جرت العادة أن يقف اثنان متقابلان غالباً لهم سطوة ونفوذ، أو كبر نسبي في السن، أو أن هناك اعتقادا سائدا بيننا كصبية بأنهما قادران على إدارة مجموعتيهما، لماذا فلان لا أحد يحب أن يلعب معه لانه يكثر في «الفرنكة» يعني يتعمد ظهار كثير من المهارات في المحاورة والمراوغة ليقترب من هدف الخصم ويسدد ضربة يسجل بها نقطة لفريقه، هل الفرنكة عيب؟ هي خصلة تنفر الرفاق ممن يكثر منها، حتى أنه تنقله إلى أنه «يأنن» وهذه تشرح تلك، أي أن من يكثر من الاحتفاظ بالكرة ليظهر هذه المهارة، يكون أنانياً بعدم إتاحته الفرصة لرفيق آخر بآن ينجز تحقيق هدف في مرمى الخصم.
ليست هذه الكلمات الوحيدة التي كانت رائجة في قاموس الطفولة، والتي كان معناها الضمني كفيلا باستخدامنا لها، بل وبترديدها، واعتمادها كوسيلة تفاهم وتعبير عن ما نفكر فيه، ونحس به. الغريب أن هذه المفردات التي كانت تشكل روح، ووسيلة تواصل، نقل أفكار، ومواقف، غابت عن الاستخدام، وغابت عن الذاكرة، وبقيت شيئ يجلب المتعة للبعض وأنا منهم.
@salemalyami