في البداية لا بد أن عي أن الدعاء عبادة في حد ذاته كما جاء في الحديث الشريف، وبما أنه عبادة فلا يصح أن نقول عنه شيء أو عن نتائجه إلا بدليل شرعي صحيح قوي كالصخر! أما مسألة التجارب، فلا أظنها تصلح فيه هذه المواطن، إننا في العلوم التجريبية يمكن القول أن المسألة تبدأ بالفكرة، ثم تُصاغ النظرية بالأرقام وبالرياضيات، وبعد ذلك نقوم بتجربتها في المعمل، وفي كل مرة نقوم بنفس التجربة، وبنفس الطريقة سوف نحصل على نفس النتائج، وهذا هو ما يسمى بالعلم التجريبي، ولكن أن نقول للملأ طبق نفس طريقتي في الدعاء، وسوف تحصل على نفس النتيجة، لا أعتقد أن ذلك سائغا وصحيحا لعدة أسباب منها:
أني قد أقوم بنفس الخطوات، وبنفس الأدعية، وفي نفس الأوقات، فلا يستجاب لي! لأن درجة الاخلاص ليست سواسية! ولأنها من أعمال القلوب، والتي لا يعلمها إلا الله وحده سبحانه وتعالى، ودليل ذلك قوله: «فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ».
ومنها وجود موانع استجابة الدعاء، وهي كثيرة منها المعاصي والذنوب، وأمراض القلوب من كبر وغيرها، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام:«وذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ يا ربِّ يا ربِّ ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغذِّيَ بالحرامِ فأنَّى يستجابُ لذلِك».
ومنها أن الله هو اللطيف الحكيم - سبحانه وتعالى -، ومقاييس الاستجابة تكون مختلفة عن الطرق التي نحن نفكر بها كبشر، فالله سبحانه وتعالى قد قال: «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».
أضف إلى ذلك أن الحديث النبوي الشريف قد وضح بجلاء أنواع الاستجابة، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -:»ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ، إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ: إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها. قالوا: إذًا نُكثِرُ. قال: اللهُ أكثرُ».
ومنها كذلك الاستعجال في الدعاء، وهذا بحد ذاته ينافي إخلاص القلب، وهو الركيزة الأقوى كما ذكرت آنفا، وقد جاء في الحديث النبوي: «يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي».
ولا يعني هذا أن يترك الإنسان الدعاء أو أن يمل منه، بل الدعاء في حد ذاته عبادة جليلة، والأكثر منه هو المقصود الأول، ولكن هو ليس حقل تجارب، وأيضا لا تقس نفسك بالآخرين وتجاربهم، ولنتذكر فوق ذلك كله، قوله سبحانه وتعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ»، أفلا يكفيني ويكفيك عذوبة وصدق كلمة «قريب»؟!
@abdullaghannam