والزبدة في الثقافة الشائعة رمزًا للجودة والفائدة والقيمة العالية وهي الجزء القيّم المستخلص من الحليب، أما الزبدة في الحديث فتشير إلى أهم الأفكار والنقاط الأساسية التي يحتاجها الشخص دون الحاجة للخوض في التفاصيل الكاملة.
تكلم ربيعة الرأي فأكثر وإلى جنبه أعرابي فالتفت إليه وقال: ما تعدون البلاغة يا إعرابي ؟ فقال: قلة الكلام وإيجاز الصواب.
فقال: فما تعدون العي ؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم ! وكان خالد بن صفوان من بلغاء العرب، غير أنه يطيل، وخطب في قوم - وجاريةٌ له تسمع - فتشدق وأطال، وحين خلا بجاريته كان قد أعجبه ما قال، فسألها: ما رأيك في كلامي ؟ فقالت: حسن لولا أنك تُرَدِّدُه!
فأجاب: أردده حتى يفهمه من لم يفهمه ! قالت:
إلى أن يفهمه من يفهمه يكون قد ملّه من فهمه!!
ذهِل خالد وقال: إنها لحكمة!! ولم يعد يطيل!
وفي كل المهن نحتاج «الزبدة» ! فالخطيب المفوه يكفيه في خطبته بعض الأسطر، فالخطب الطويلة مملة والمعلم الذي يسهب يشتت الطلاب والمحامي المتشدق يفقد مصداقيته والمسوقون يظهر كذبهم من طول عباراتهم أما الكاتب الحاذق يصل لفكرته بأقصر الطرق والحقيقة أنه حتى عاملات البيوت والسائقين فإن إسهابهم وكثرة كلامهم قادح في جودة عملهم !! وأذكر احدى العاملات وهي تفتعل قصة طويلة مع كل مصيبة تتسبب بها ! فأصبحتُ ضحية أمران أولاهما عجمة لسانها وثانيها طول قصصها وسعة خيالها.
وفي التربية فتكفي من الوالدين إشارة ورمز من الرموز لتقوم مقام المحاضرات الطويلة ! أما الأمثال الشعبية فقد كفتنا الكثير من المعاني والدروس والحكم في جملة واحدة كافية شافية وأصبحنا نردد هذه الجملة ونحن موقنون أن الرسالة وصلت وأفهمت.
حتى كلمة «الزبدة» فهي إحدى منجزات اللغة الدراجة، فبدلا من أن تقدم للمتحدث محاضرة تبين فيها ضجرك من عدم وصول الخلاصة، فالخدمة التي تقدمها له هي قولك «هات الزبدة» وكفى !
@ghannia