تشهد المملكة العربية السعوديّة تحولات تنمويّة واسعة بمختلف المجالات تنطلق نحو الارتقاء بالإنسان، وتغيير المنظومة العقليّة بالمؤسسات المعنية بإعداده، وتوظيف مكامن القوة والتنقيب عن المناطق العمياء في البيئة، وتحويلها لفرص استثمارية منافسة لـتحقق بذلـك عوائد اقتصادية ذات منافذ مبتكرة ومتنوعة ومنافسة.
وفي الـسياق ذاته يلـحظ المتابع لـلـتعلـيم الجامعي وجود أشخاص يتسمون بالـفضول والـرغبة في الاستكشاف لـلـعملـيات داخلـها، ومحاولـة الـتجربة وتطبيق عدد من الممارسات والإجراءات بصورة غير مألـوفة؛ لما يمتلكونه من شغف وغريزة متأصلة للتغيير والتطوير، واعتقادهم بأنّ أدوارهم تتجاوز تحويل السلع والخدمات إلى إيرادات وأرباح فتراهم يمتثلون مقولة الفيلسوف الشّهير سقراط في أن الحياة مرتكزة على التجربة؛ وإلا فلا قيمة لها، ولا تستحق العيش بتخلفها، وعقيدة المبتكر الاجتماعي المهاتما غاندي التي تجسدها في حياته، ومفادها: أن الشخص محور التّغيير الذي يرغب أن نراه في العالم، وشعار المبتكرة الاجتماعيّة الأم تيريزا المتمثّل في أن ما يقوم به الـنّاس في حياتهم ليس إلا قطرات في محيطات الحياة، وإذا لم يُكوّنوا تلك القطرات، فستفقد المحيطات شيئًا عظيمًا المبتكرون في المنظمات يتّسمون بالجنون والشّغب، وهم أشبه بالأوتاد المستديرة في الثُّقوب المُربعة؛ لـرؤيتهم للعالم بمنظار مختلف. ومن هنا يَبرُزُ دور قادة التغيير بالجامعات
في تبنّي ثقافة الابتكار وتعزيز منابعه لا تجفيف موارده؛ وإيجاد البيئة الصديقة والمواتية لـه، ونشرها في أوساط العاملين والتزامهم به كأنموذج عمل، ودعم فرق الابتكار بمنظماتهم، وتذليل العقبات، وهدم العراقيل التي تُعيق المسار، وتقتات عليها الأجسام المضادة للابتكار، وتوفير الغطاء القانوني لها من خلال الـتشريعات والأنظمة المنظمة والـداعمة للمبدعين والمبتكرين، وتمكينهم ومنحهم الـصلاحيات، وتشجيع حاضنات الأفكار والأراضي الـبيضاء لاصطياد الأفكار، وترجمتها لمشاريع ومبادرات، وتمويل المبادرات المعززة للانفتاح وتبادل الخبرات محليًا وإقليميًا وعالميًا، والبحث بصورة استباقية عن كل الـوسائل الممكنة لـبناء هذه الـثقافة وتعزيزها، وإعداد الخطط التكتيكية لذلك، والعمل على التغلب على الـقوى المعادية والمعاكسة للثقافة داخل المنظمة كإجراء احترازي دفاعي.
ومن الجدير بالـذكر ضرورة فتح الجامعات أبوابها للمبدعين والمبتكرين من فئات المجتمع العُمريّة وأطيافه الفكريّة من خلال إقامة المناشط والمنافسات والهاكثونات المعنية بتطوير الإجراءات والممارسات، وتحطيم أسوار البيروقراطية الإدارية والـعزلـة المجتمعيّة، ومد جسور الـتعاون مع مختلف الـقطاعات الحكوميّة والخاصة، وغير الربحيّة لتقديم الأفكار والمقترحات عبر معامل ابتكارية على غِرار تجربة وزارة الحج والعمرة في تطوير المنتجات والخدمات من خلال توليد الأفكار عالية الجودة والنوعية، والعمل على استيعاب تلك الأفكار وفهرستها
وتجميعها وتقييمها في نهاية المطاف، وليكن شعار تلك المؤسسات الجامعية نحن هنا لنضع بصمة في الحياة، وإلا فلماذا نحن هنا؟!
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
@mesfer753