لهذه السنين معالم وبيئات ننحتها كبشر. لها ما لها، عليها ما عليها، تتشكل من خلال ما نتركه على أديمها من آثار وأثر. ماذا عن مسيرتي خلال السبعين عاما؟ السؤال الأهم: كيف جاءت فلسفتي في الحياة؟ أيضا فلسفتكم، أقصد منهج حياتنا. من بناه وشيده؟ من جعلنا في واقع تصرفاتنا وقراراتنا؟ هل نحن أبرياء من نتائج سلوك منهج حياتنا؟ هل كان لنا حق الاختيار؟
الإنسان يولد جاهلا بكل شيء. حقيقة يجب تفعيلها. يقول سبحانه: «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شيئاً»، النحل آية «78»، هنا تأتي الطموحات المكتسبة، والتوجهات السائدة بشقيها السلبي والإيجابي. توجهات تشكل عجين حياة الفرد بوسائل وأدوات أهمها السمع والبصر والأفئدة، نعم.. خضعنا جميعا لتشكيل من سبقنا من البشر، أحياء وأموات.
يقول سبحانه: «وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ - لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ». «النحل آية 78». نحن أوعية، وهذه وسائل جعلتنا أكثر فهما لمن هم حولنا. جعلتنا نستقي منهم منهج حياتنا. جعلوك أنت وأنا. وجدنا أنفسنا امتدادهم وفق معاييرهم، الكثير من البشر يعيش الماضي في حاضره، ويهيئ مستقبل أجياله بنسيج ماضيه.
نشكر الله على تلك الأدوات والوسائل، لكن الحكم على تغذيتنا بواسطة هذه الوسائل يرجع لنا نحن البشر وليس لله. الله منها بريء خيرها وشرها، الفرد هو المسؤول عنها، وقد منحه الله طاقات ليميز الخبيث من الطيب، تعطيل الفرد لهذه الطاقات مسؤوليته المباشرة، يتحمل تبعاتها دنيا وآخرة، هنا يتحقق قول الله سبحانه: «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ». «النحل: 118»..
جميعا نشكر الله بطرق كثيرة، الدعاء أسهلها، أكثرها انتشارا، أقلها تعبا، شكر الله أفضل بالأفعال والأعمال، عبر تطبيق مكارم الأخلاق كمنهج حياة، يقول - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ»، ستظل قيم سرمدية متاحة أمام كل البشر.
شكر الله بالعمل أعظم شأنا وأهمية من الدعاء لوحده، منهج مارسته في جميع مراحل عمري السبعة. حتى الكتابة عند شخصي عبادة. أكتب لكم بدون مقابل. استثمر وقتي لصالح وطني وجميع أهله، ولكل من يقرأ، أعيش وقتي متأملا.. مفكرا.. محللا.. ملاحظا، استنتج وأرصد، لدي حاليا في شيخوختي مساحة أكبر من العطاء قولا وفعلا.
في مرحلة التنشئة والتربية خضعت لمنهج زاخر بعطاء القيم. في مرحلة الإعداد والتدريب توسعت المدارك. في مرحلة العمل لرد الجميل، أخلصت عرفنا ووفاء وانتماء حد النخاع. خلال عشر سنوات من التقاعد أبهرت نفسي بنشاطي وتأليفي، مع فجر مرحلة شيخوختي الفتية، احتفلت معكم بها، احتفال جدد طاقاتي همة وشغف.
مرحلة الشيخوخة لا تختلف عن بقية المراحل السابقة، إلا في كون إرادة التحدي لا تكون إلا مع نفس حاملها. ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH