تاريخيا وباختصار، بدأت الألعاب الأولمبية في أولمبيا «اليونان» منذ القرن الثامن قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي، ويُقال أنه تم إيقافها من قبل السلطة المسيحية، ثم أعيد تأسيسها من قبل الفرنسي بيير دي كوبيرتان عام 1896م.
فهل ما حدث في حفل الافتتاح هو انتقام من الكنيسة المسيحية لوقفها الألعاب الأولمبية منذ ما يقارب ألفي عام؟! حيث الزج بقضية جدلية في كل محفل، وفي أكثر من مشهد؟! وللمعلومية، فإن ذلك لن يجعل الفطرة الطبيعية تتغير أو تتبدل، بل على العكس سيجعل لدى الأغلبية ردة فعل، وأن القضية أصبحت إلزاما وإكراها، ولم تعد المسألة حرية أو ليبرالية «بالإقناع والفكر والحوار»، وهذا الأسلوب القهري يخالف روح أفكار فولتير «أحد أبرز المفكرين الذين ألهموا الثورة الفرنسية»، وكذلك يخالف مبادئ التسامح الديني العلماني حيث كان هناك الاستهزاء الصارخ بالمشهد الديني المسيحي «العشاء الأخير» بغض النظر إن كنا نتفق أو نختلف على صحته. ولكن مجرد فرض الاستهزاء بطريقة «سامجة» هو يفتقر إلى أدنى درجات الذوق أو الأدب، فضلا عن احترام معتقدات الآخرين الذين هم من بني جنسهم وعلى ديانتهم، والحقيقة الموجعة أن التنظير لديهم جميل وبرّاق، ولكن الواقع مقزز المنظر، وكريه الرائحة!!
ولابد أن تعي هذه الدول الغربية ومن كان يسير على نهجهم أنه لا يمكن أبدا فصل الروح عن الجسد! وأن كل أنواع الحرية والملذات والمتع لا تصلح أبدا غذاءً للروح؟! والسبب أن الروح الإنسانية لها غذاء مختلف تماما عن الماديات. وكما أن لكل جهاز «إن صح التعبير» كتالوج يخبرك ماذا يحتاج هذا الجهاز أو الآلة؟ فجسد الإنسان قائم على الروح، وهذه الروح تتغذى بالرابط الديني «يشبه المغذي للجسم الذي يعطى للمرضى» وحين نفصل ذلك المغذي تذبل الروح تدريجيا بسبب الخواء الداخلي المُرهق نفسيا ومعنويا. وبوضوح أكثر، عندما نقطع الحبل الموصول بالسماء تموت الروح!
وأذكر مما قرأت وعلى حسب فهمي ومعرفتي البسيطة في فلسفة إيمانويل كانت «أشهر فلاسفة الألمان في عصر التنوير والعصر الحديث» أنه لابد من الإيمان حتى نستطيع تفعيل وتطبيق القيم والأخلاق، بمعنى أن الوازع الديني لا يمكن فصله عن أي حضارة قديمة أو حالية أو مستقبلية، ومهما حاولنا زرع مبادئ وقيم مادية مثل: «الحرية، المساواة، العدالة، الليبرالية، العلمانية الجزئية والشاملة، وغيرها»، فلن تطول المدة حتى تتداعى هذه الحضارة أيا كانت. ولا أدل على ذلك أنه حين أراد فلاديمير لينين نزع واستبدال الدين بالشيوعية «كما هي توجيهات كارل ماركس» سقطت! وكان لا بد من شيء روحي يرد العافية للجسد ولو جزئيا!
ويؤكد على ما سبق ذكره، أنه حين تقوم الحروب بين الدول يبدأ القادة بشحن الجنود بالوازع الديني وليس المادي ولا حتى الأخلاقي! لأنه الأكثر ضمانة في تثبيت أقدامهم عند الزحف، وعند سماع دوي القنابل والرصاص!! حيث يفزع القلب إلى السماء بدون تردد وبلا مقدمات، وتسقط حينها بسهولة الشعارات الضعيفة والواهية.
إن من أهم أسس الحرية والليبرالية التي «ينطنطون» احترام معتقدات الآخرين، والاعتبار بالفطرة السليمة، والحوار بالعقل والمنطق، وعدم فرضها بالغطرسة والقوة والاستهزاء!! فهل سوف يتحول مفهوم «ليبرالية ما بعد الحداثة» إلى دكتاتورية فكرية ناعمة؟!
@abdullaghannam