إن المتأمل في واقع مؤسساتنا اليوم يلحظ إخفاقاً ملحوظاً في صناعة القادة ابتداء من اكتشافهم ثم بنائهم وصناعتهم، وأخيراً تمكينهم ودعمهم؛ مما يجعل تلك المؤسسات تعيش شيخوخة مبكرة وبعقلية الرجل الواحد، فعلى مدار الأعوام الخمسة الماضية، أوضحت عدد من الدراسات العالمية المتعلقة بتنمية الموارد البشرية بأن تكلفة الدوران والتسرب الوظيفي بلغت ٢٣٣ مليار دولار، وأن ما يقرب من ٦٠٪ من العاملين في المواقع التنفيذية والتشغيلية يغادرون مواقع العمل ويتخلون عن وظائفهم بسبب مستوى أداء وقيادة مديريهم لمنظماتهم، وأن قياداتهم يتحملون ما يزيد على٨٧٪ من المسؤولية في ذلك لدورهم البالغ في هجرة الكفاءات وذبول القدرات، كما أجريت دراسة استطلاعية بالولايات المتحدة الأمريكية للتعرف إلى دور القيادات العليا في المنظمات الحكومية والخاصة وغير الربحية في تطوير أداء منظماتهم وتجويد كفاءات العاملين، والتي خلصت إلى أن موظفاً من كل ثلاثة موظفين يعتقدون عدم كفاءة مديريهم لقيادة منظماتهم والتعامل مع فرق العمل.
ومن خلال النظرة التحليلية لمؤسساتنا، يتبين أن التمكين القيادي يبتدئ ويقف عند منح شخص ما قيادة مهمة أو الإشراف على موقع أو إدارة ما، دون اكتشاف أو صناعة مسبقة وإنما لسد الاحتياج والثغرات الإدارية، وبلا شك لا يتواكب مع معطيات المرحلة الحالية التي تشهدها مختلف القطاعات والمؤسسات من تغييرات إدارية واقتصادية لتحقيق الريادة المحلية والإقليمية والعالمية في ظل الرؤية الوطنية ٢٠٣٠، ومن المهم تبني تلك المؤسسات لعدد من المشاريع القيادية ذات الاستدامة والاحترافية المهنية لصنع قادة المستقبل وصُناع التغيير في تلك المؤسسات من خلال عقد التحالفات والشراكات مع الجامعات والمراكز العريقة في ذلك، ونقل التجارب ومزج الخبرات وعدم الاكتفاء بالمنح القيادي فقط، فما المنح إلا مرحلة ابتدائية في سُلم القيادة ونادراً ما يتجاوزه القادة إلا عندما يصنعون صناعة تتواءم مع المعطيات والتغيرات المتسارعة. وليتذكر قادة المؤسسات أنّ بقاءهم في ذاكرة الأفراد مرهونة بأثرهم في صناعة فرق عملهم ورعايتهم وتطويرهم، وإعدادهم لقيادة تلك المؤسسات توريثاً للقيادة بعيداً عن الاستحواذ القيادي، وإلا سيكتشفون بأنهم صفحة طُوِيت في سجل التاريخ.
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
@mesfer753