فالحُبُّ والبُغضُ، والرِّضا والسُّخْطُ، والحِلْمُ والجَهْلُ، والأَناةُ والعجلَةُ، والجُودُ والبُخْلُ، كلُّ أولئكُمُ وغيرُها من الأخلاقِ ممَّا جُبلتْ عليهِ تلكَ النفسُ ولابُدَّ، ولم يخلُ منهَا مهمَا عَظُمَ أحدٌ.
وأوضح أن أمر الله جاءَ لعبادهِ تَشْريعًا وتَكْلِيفًا، بِتزكِيَة هذه النفسِ وتَهذِيبِهَا، لِيُسْلَكَ بها سَبِيلُ المُتَّقِينَ، ويُنْتَهَجَ بها نهْجُ الصَّالِحينَ المُصْلِحِينَ.
منهاج الصلاح
وأضاف الشيخ الدكتور بندر بليلة أنَّ مِن أعظَمِ هذهِ الطَّبائعِ أثراً على العبادِ، خُلُقَ الإِلْفِ والِاعْتِيادِ، وهُوَ في ذاتِهِ خُلُقٌ يَدُلُّ على استكمالِ النِّعَمِ ودوامِها، وثُبُوتِها واستقرارِها، واستمرارِها واستمرائِها وهُوَ لعَمْرُ اللهِ خُلُقٌ ينبَغِي أن يدفَعَ بالمؤمنِ إلى مَزيدٍ مِن الشُّكرِ والاِعترافِ، والتَّوْبةِ والاِزْدِلافِ.وبين فضيلته أن الإلفُ هو المقوِّمُ الأكبرُ الَّذِي يقفُ وراءِ ثباتِ العبدِ على الاستقامةِ، والباعثُ لهُ على السيرِ على منهاجِ الصَّلاحِ والدِّيانةِ، إذا ما عوَّدَ صاحبَهُ على الطاعةِ، وربَّاهُ على البِرِّ والعبادةِ، فيألَفُ العباداتِ، ويعتادُ فعلَ الخيراتِ، مِن صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقةٍ، وتِلاوَةٍ للقرآنِ، وصِلةٍ للأرحامِ، وسعيٍ في تَفريجِ الكُرُباتِ، وقضاءِ الحاجاتِ، وصُنعِ المعروفِ وإغاثةِ الملهوفِ.
فيديو | خطيب المسجد الحرام الشيخ د. بندر بليلة: أقبح أنواع "الإلف" إلف المعصية واعتيادها والتغافل عن شؤمها وبلائها#الإخبارية pic.twitter.com/bTzBfv1tBL— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) August 9, 2024
وأكد أن هذا إلفٌ محمودٌ، مرغَّبٌ فيهِ مقصودٌ، يُشكرُ عليهِ صاحبُهُ، ويزدانُ بهِ حائزُهُ، حينَ يقودُ نفسَهُ لدروبِ الطاعاتِ، فتصبحُ لهُ عادةً، يصعُبُ عليهِ انفكاكُهُ منهَا، ولا يَتَصَوَّرُ نفسَهُ بدُونِها، وهذَا وأَيْمُ اللهِ لهو التَّوفِيقُ للهِدَاية وللبِرِّ، ولِلصَّلاحِ وطِيبِ الأثرِ.
وأشار إلى أن أضربِ الإلفِ المحمودِ ما أودعهُ اللهُ في الإنسانِ من تعوُّدٍ على المصائبِ، وقُدرةٍ على تحمُّلٍ المتاعبِ، ولولَاهُ لما صفتْ حياةُ أولئكَ الذينَ نزلتْ بهِمُ الشدائدُ، وأحاطتْ بهِمُ المُدلهِّماتُ؛ لأنَّ صدمةَ المصيبةِ إنَّما تؤلـِمُ أوَّلَ حدوثِها، كما قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى."
استذكار النعم
ولفت إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن هناكَ إِلفٌ مذمومٌ، صاحبُهُ ملومٌ، وهو إلفُ نِسيانِ النِّعمِ، والغفلةُ عن ذكرِها وشُكرِها، وذلكُمْ هو بَريدُ كُفرانِها، المُؤذنُ بزوالِها، فلا يَعتَرِفُ للهِ بنعمَةٍ، ولا يُقِرُّ له بِمنَّةٍ، ورُبَّما نَسبَها إلى نفسِهِ وإلى آبائِه وأجدادِهِ، كُفرًا منهُ وجُحودًا.وأبان أن معالجةُ ذلكَ، إنَّما تكونُ بالحرصِ على عَدِّ النِّعمِ واستشعارِها، والاعترافِ بها للمُنعمِ وادِّكارِها، وإعقابِ ذلكَ حمدًا وشكرًا، قولًا باللِّسانِ وفعلًا.
فضيلة الشيخ د.بندر بليلة في خطبة #الجمعة بـ #المسجد_الحرام :"اشكروا ربكم على ما أولاكم وأعطاكم، وتذكروا على الدوام نعم الله عليكُمْ، وَاسْأَلُوهُ أَلَّا يحرمَكُمْ ما عودكم من جميل فضله وإحسانه". pic.twitter.com/bKGCr3WB7B— الهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين (@AlharamainSA) August 9, 2024
وأشار فضيلته إلى أنَّ أَقْبَحَ أنواع الإلفِ: إِلْفُ المَعْصِيَةِ واعتيادُها، والتغافُلُ عن شُؤمِها وبلائِها، وأشنعَ مِن ذلكَ: عدَمُ التأثُّمِ مِن فعلِهَا، وعدَمُ التأَلُّمِ من مُقارفَتِها، حتَّى تُصبِحَ كأنَّها مِن قَبِيل المُباحاتِ، حينهَا يُختمُ على قلبِ صاحِبها، وهذِهِ لعمرُ اللهِ مِن أعظَمِ العُقوباتِ، الَّتي تستنزِلُ غضبَ رَبِّ الأرْضِ والسَّماواتِ .
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الشفاءُ من ذلكَ بأوانِ الأَوْبةِ، ودوامِ التَّوبةِ، حتَّى تبقَى في النفسِ وحشَةٌ مِن كُلِّ معصيَةٍ وخطيَّةٍ، ونُفرةٌ مِن كُلِّ زَلَّةٍ ورَدِيَّةٍ، وذلكَ من أماراتِ الإيمانِ، في جامعِ الترمذيَّ وصححَهُ، قال صلى الله عليه وسلم " مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ ".