والمشاهد أن الشباب خاصة من الطلاب والطلبات قد لا يعي حقا معنى ذهاب الوقت لأنه ما زال في مقتبل العمر، ويعتقد أنه هناك فسحة طويلة من الوقت أمامه! والواقع أن الذي يدرك منذ صغره أهمية السويعات والدقائق يرتاح أكثر في مشيبه!
وأسوأ من ذلك الذي يخوض معارك كثيرة ومتخلفة في الحياة، ويكتشف حين يبلغ شباب الشيخوخة «سن الخمسين» أنها لم تكن تستحق ذلك العناء! ويُذكر عن الوزير الشاعر غازي القصيبي -يرحمه الله- أنه قال: «ستدرك في وقت متأخر من الحياة، أن مُعظم المعارك التي خضتها لم تكن سوى أحداث هامشية أشغلتك عن حياتك الحقيقية»، وهذا يسمى الخبرة في الحياة، فحين يُرشدك من هو أكبر منك سنا، سواء كان والديك أو غيرهما، فاعلم أن هذه النصيحة لم تأتي من فراغ أو دون ألم! وأنها تختصر عليك سنوات طوال من التعلم.
ولأن الشباب في الغالب الأعم لديهم الحماسة والنشاط، والاعتقاد أن أراءهم هي الأصوب أو الأفضل! فـتأمل معي قصة هذا الحديث النبوي، والذي تعمدت أن أسرده بطوله لمتعة الحوار، ورقي النقاش، من أجل الوصول للحل الأفضل، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-أن قال: «أنْكَحَنِي أبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ، فَيَسْأَلُهَا عن بَعْلِهَا، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِن رَجُلٍ؛ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، ولَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذلكَ عليه ذَكَرَ للنَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ، فَقالَ: الْقَنِي به، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقالَ: كيفَ تَصُومُ؟ قالَ: كُلَّ يَومٍ، قالَ: وكيفَ تَخْتِمُ؟ قالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قالَ: صُمْ في كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً، واقْرَأِ القُرْآنَ في كُلِّ شَهْرٍ، قالَ: قُلتُ: أُطِيقُ أكْثَرَ مِن ذلكَ، قالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ في الجُمُعَةِ، قُلتُ: أُطِيقُ أكْثَرَ مِن ذلكَ، قالَ: أفْطِرْ يَومَيْنِ وصُمْ يَوْمًا، قالَ: قُلتُ: أُطِيقُ أكْثَرَ مِن ذلكَ، قالَ: صُمْ أفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ: صِيَامَ يَومٍ، وإفْطَارَ يَومٍ، واقْرَأْ في كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً. فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسولِ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ؛ وذَاكَ أنِّي كَبِرْتُ وضَعُفْتُ، فَكانَ يَقْرَأُ علَى بَعْضِ أهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ القُرْآنِ بالنَّهَارِ، والذي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ؛ لِيَكونَ أخَفَّ عليه باللَّيْلِ، وإذَا أرَادَ أنْ يَتَقَوَّى أفْطَرَ أيَّامًا وأَحْصَى، وصَامَ مِثْلَهُنَّ كَرَاهيةَ أنْ يَتْرُكَ شيئًا فَارَقَ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليه -». وفي رواية «فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلكَ، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لا أَفْضَلَ منْ ذلِكَ».
صحيح أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا ينطق عن الهوى، ولكن هناك أيضا جانب آخر لطيف في الحديث، وهو أنه عليه الصلاة والسلام كان أكبر من عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه- عُمرا، وأعلم بالحياة وسُننها منه. حيث أن الإنسان سوف يكبر يوما ما، ويفقد نشاط الشباب وقوته، وسيقول: يا ليتني عملت بالنصيحة!
ومن هنا أريد أن أوضح نقطة أخرى، وهي موجهة لحديثي التخرج من الجامعات والكليات، فيحين يخبرك ذوي الخبرة أن المجال المعين أو الشركة المعينة أفضل لك على المدى الطويل، فأعلم أن رأيهم قد يكون أقرب للصواب من رأيك، فخذه بعين الاعتبار، ولا تتجاهله!
@abdullaghannam