ولعلنا حقيقة لا نبيت تلك الليلة وتظل أعيننا تراقب انجلاء الليل وانبثاق الفجر وقيام الوالد الحنون ـ يرحمه الله ـ ليقوم بتوزيعنا على المدارس والأهم من ذلك أن الوصول المبكر سيضمن لنا حجز مقعد مميز في الفصل، فيما نتحين أي فرصة لاستعراض دفاترنا وحقيبة الأدوات الصغيرة المنتقاة بعناية، وأذكر أيضاً أن الصف الأول كانوا أبطال شجعان فلا مكان للبكائيات والتمثليات والنفسيات والدراما فكل طالبة مستجدة كانت تنتظر أن تكون على مقعد الدراسة، فتثبت ثباتاً عجيباً رغم حداثة التجربة بينما يكون دور الطالبات الأكبر بيت خبرة للجميع! أما الغياب فلا مكان له في قاموسنا ! ولا أكاد أنسى معلماتنا وهن يمثلن لنا الأناقة بكل تفاصيلها والقدوة بما تعنيها الكلمة، فكل ما تقوله المعلمة صحيح لا يشوبه الخطأ وإن كان الخطأ يتلبسه بعض الأحيان! لكن المقولة الشهيرة التي تفصل بيننا كل نزاع تقول «المعلمة قالت» ! ثم نقطة تنهي كل شيء.
ثم عند عودتنا من المدرسة لا نجد لعبة أفضل ولا أمتع من لعبة تقليد المعلمات كلاماً ومشيةً أملاً في نكون مثلهن عندما نكبر.
ورغم اعتدادنا بتلك الفترة إلا أنها لم تخلو من بعض «السبّات والشتائم» ! وهي في قاموس معلماتنا في تلك السنين الغابرة درس من الدروس الجديدة التي نضيفها للعبة «الحريم» ! حتى أن بعضها مجهول المصدر وربما لا يوجد في قاموس اللغة العربية له تصريف ! غفر الله لمعلماتنا وكتب أجرهن كما علمننا صغارا
فصلة:
حدثتني إحدى الزميلات عن «سالفة» سمعتها عن طالب يدرس بالصف الثالث الابتدائي وهو يخبر أمه عن يومياته وكيف يخبرها بوصفه الدقيق للمعلمات خلال سوالفه معها.. فالاكتشافات والتأملات والعفوية في حديث الابن أمام أهله أمر يفحم ويزعج والدته في ذكر بعض التفاصيل حيث يطلب منها في كل مرة أن تعمل رموشها مثل أبلة فلانه وأن تضع لون الروج الذي تضعه مدرسته فلانه وأن تعمل تسريحة أبلة أخرى حتى ضاقت الأم ذرعاً بابنها المجتهد ذو الخيال الواسع ولم تجد سبيلاً إلى ردعه سوى أن تطلب من المعلمات أن يقللن من أناقتهن قليلاً لتسلم من هذا الحديث وتلك المقارنات !
@ghannia