الاندماج مع الناس، قد يكون هو التحدي الأول الذي نخوضه باستمرار، وهو التحدي الذي قد تكون تأملاتنا عليه عالية حسب الفئة المجتمعية التي نستهدف الاندماج معها، فأحياناً لا نستطيع التحكم بما يظهر منّا كانطباع أولي في هذه اللقاءات، وفي غيرها نكون في أوج التركيز والتدريب المتكرر لهذه التجربة، والتي قد يكون من أهم استعداداتنا فيها هي استخدامنا للهجة البيضاء.
درج استخدام اللهجة البيضاء للاندماج مع المجتمع المحيط، حتى لا نقع في استفهامات الترجمة التي لا تنتهي، والتي تعيق سلاسة السرد، في كثرة الوقفات السائلة عن المعاني؛ فأصبح الأسهل هو التحدث بلهجة الناس المفهومة، ولكن هل هو هذا السبب الحقيقي لاستخدامها، أم هناك أسباب أخرى ظاهرة أو خفية!
استغرب احياناً من بعض المداخلات التي قد تقطع الحديث لتقول «هاه ظهرت اللهجة»! لست ضد المزح أو كسر حدة السرد ببعض الابتسامات الجميلة، لكن تكرار سماعها وقع تحت طائلة الاستغراب! فهل يأتي من مبدأ إخراجه من المحيط الذي اندمج فيه، أو قد يكون نوع من أنواع التقليل منه! أو أنها إحدى نتائج تعدد الثقافات في المناطق الرئيسية، فيتميز فيها الغريب عن المجموعة.
عندما يصرح الفرد باسمه هو إعلان منه عن ثقافته، مرجعه، عادته، ولهجته؛ وبالتأكيد، تختلف باختلافات كثيرة ايضاً، كأين نشأ، وكم مدة نشأته في المكان المختلف عن مرجعه؛ والثقافات التي اندمج معها، وحتى مع ذلك إلا أن يكون فيه نسبة ولو ضئيلة من أصله، الذي استقاه من أهله في محيطه الأول، ولو كان في لحن حروفه التي ينطقها بلهجته البيضاء.
ومع كل ذلك، رأيت مؤخراً علو الفخر باستخدام اللهجة السعودية مع محيطها الخارجي، دون استخدام اللهجات الأخرى كالمصرية، السورية وغيرها من اللهجات المحيطة كترجمة، وتعد السعودية الثقافة الجديدة التي ستغزو المحيط غزواً ناعماً، وهم من سيحاولون أن يتعلمونها ليندمجوا معنا.
نعود إلى محيطنا الداخلي ولهجاتنا المتنوعة فيه، والتي بدأت تظهر فيه اللهجة البيضاء بيننا بشكل واضح وصريح، فهل سيأتي اليوم الذي سيسود استخدامها عن اللهجات المناطقية، أم أنها ستكون لهجة طوارئ تستخدم فقط حسب محيطك الذي أنت فيه!
@2khwater