جاء الضيف وكان امرأة متوسطة العمر من أندونيسيا اسمها ماسيا، وعندما أحضرها والدي إلى البيت استقبلناها بالترحيب والتقدير فقد زادت العائلة شخصاُ جديداً، وكنا متلهفين لعيش هذا الإنسان معنا، لم تفهم في بداية الأمر حديثنا ولم نكن نفهم حديثها ولكننا عقدنا أخوّة أخذت تترسخ مع الأيام.
فأصبحنا نعرف أهلها وأولادها وقصة حياتها، وأصبحت هي تهتم بنا وتوقظنا لصلاة الفجر وتتابع أوضاعنا مع والدتي رحمها الله، وكانت أمي تحذرنا من أن نأمرها، وتقول: هذه مغتربة مسكينة والبيت يحتاج عمل، ولذلك كل واحد يخلص حاجته الشخصية بنفسه.
وفي يوم من الأيام قال أحد الأخوة أو الأخوات: أين الخادمة ماسيا؟
فغضبت والدتي غضباً كبيراً، وقالت هذه أختكم وليست خادمة، واحذر أن تقول هذه الكلمة أمامها، وعندما جاء والدي مساءً أكمل التوجيه، فلا يمكن أن يُسمح في هذا البيت بما يشعر هذه الأخت بالتعالي.
لم تكن وسائل التحويل البنكية كما هي الآن، فكان والدي يسافر من قريتنا إلى المدينة ليحول لها حقوقها أولاً بأول، وكان يقول: ليس لي فضل هذا حقها، وهي واحدة منا، وكان اسم أمي عندها ماما، ووالدي بابا.
بعد سنوات من العمل معنا، غادرتنا إلى بلادها، وقد أصبحت أنا في الجامعة، ولا تسل عن مشاعرنا ومشاعرها عندما سافرت، ومع الوقت انقطعت لعدم توفر وسائل الاتصال وقتها.
جاءنا بعدها الكثير من العاملات سواء في بيت والدي أو بيوتنا المستقلة ولم أذكر أن أحداً منهن سافرت غاضبة، وهذا ما أراه في بيوت من حولي ولله الحمد.
أيضاً جاءنا العامل الهندي ساندرا، أو عبده كما أحب أن يسمي نفسه تسهيلاً على كبار السن الذين كانوا يتعاملون معه، فقد كان حداداً ماهراً وإنساناً مؤدباً، وجلس عندنا ما يقرب من 30 سنة، كان يحضر معنا مناسباتنا، ولم يرجعه إلى الهند إلا متاعبه الصحية بسبب تقدم السن.
علاقتنا بمن يعملون في بلادنا علاقة مبنية على عقيدتنا وقيمنا التي نفخر بها ونفاخر، وأنظمتنا المستمدة من شريعتنا، والتي تكفل حقوق المقيم أياً كانت جنسيته، ولذلك لن يستطيع جاهل أو مأفون أو مغرض تشويه هذه العلاقة، ففي كل بيت سعودي ماسيا وساندرا، ولذلك ها هم يقيمون السنوات، ويسافرون ويعودون.
@shlash2020