كنا نظن – نحن- العرب والمسلمين الفرس والأفغان أننا في عصر الحداثة والعولمة ووسائل التواصل الاجتماعي قد أغلقنا النافذة إلى الأبد، وبنينا فوقها جدارا من الإسمنت. وانشغلنا بالنظر إلى العالم من منظور الحاضر والمستقبل.
لكنّ الذي يحدث الآن هو توسيع إطار النافذة الطائفية، والعمل على جذب انتباه الناس إليها، وتوفير الدعاية والإعلان للنظر من خلالها إلى العالم حتى أصبحنا فرجة ومضرب الأمثال للجهل والتخلف.
قد يكون النظام العالمي الحالي يمرّ بتحولات كبرى تجعله عرضة للصراع وللمشاكل بين الدول الفاعلة. لكن هذه الصراعات أمرها طبيعي تحت وطأة التحولات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والفكرية والعلمية التي يشهدها العالم برمته، وهي صراعات تظل بالتالي ضمن إطار الاتفاقيات والتنظيمات والمصالح التي تحكم مسار الدول وموقعها على خريطة العالم.
وفوق هذه الصراعات بين الدول هناك أزمات من نوع آخر، ترتبط بالحضارة والعيش المشترك على هذه الأرض من قبيل: أزمة تغير المناخ والتلوث البيئي، وأزمة الديمقراطيات وتطور حقوق الإنسان وهاجس البحث عند العلماء عن حياة بديلة عن الأرض في كواكب أخرى صالحة للعيش. ناهيك عن التطورات والاكتشافات العلمية في الطب والفلك والذكاء الاصطناعي والفيزياء الكوانتية، وهي تطورات ناتجة عن رغبة معرفية بشرية في تحسين جودة الحياة الإنسانية، ورغبة حقيقية في تجاوز عقبات الحضارة المعاصرة.
ناهيك بالطبع عن الفتوحات الفكرية والفلسفية والدينية التي ساهم فيها العديد من الفلاسفة والعلماء والمفكرين من شتى بقاع العالم الجغرافي تحت مظلة الحضارة الغربية، وذلك استجابة لتجاوز المآزق والحروب والفتن التي عصفت بمجتمعات ما قبل عصر الحداثة وعصر الدخول إلى الحداثة نفسها، فمثلا مفهوم التعددية الدينية أول من طرحه كان على يد علماء اللاهوت المسيحي أمثال بول تليش وهانز كونغ وجون هيك تحت تأثير مقررات مجمع الفاتيكان الثاني في العام ١٩٦٥م التي خلصت إلى وجود حقائق دينية خارج المسيحية، ثم تطور المفهوم وساهم فيه الكثير من علماء في حقول مختلفة كفلاسفة الدين وفلاسفة السياسة والأخلاق، حتى رأينا كيف أن هذا المفهوم لا يرتبط بفكرة المساواة بين الأديان والعقائد، وإنما فكرة المساواة لا بد أن تقوم بين أهل الأديان والعقائد وأن تكون لهم نفس الحقوق إذا ما أرادوا الحوار والنقاش.
الآن أريد من القارئ الكريم أن يتأمل معي الحالة العربية ومجريات أحداثها ومآلاتها ووضعها الراهن، مقارنة ببقية المجتمعات سواء في أوروبا أو أمريكا أو آسيا وسؤالي هنا: بماذا ساهمنا في سبيل تطور الحياة المعاصرة فكريا ودينيا وعلميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا ؟ ولا أتحدث هنا عن اجتهادات أفراد بمعزل عن سياسات دول ومؤسسات واستراتيجيات، في ظني لا شيء يذكر، والذي يرمي الحمل كله على التداعيات السلبية للاستعمار، فهو لا يدرك حجم الخسارة التي ستفوته حين يجلس ويفكر لماذا العرب خارج التاريخ ؟!
ألا يكفي النظر إلى ما يجري لفكرة العدالة مقارنة بموضعها في الفكر الفلسفي الغربي، حيث يتم استحضار الحسين ويزيد كتعبير رمزي عن العدالة والظلم وكأن الحقيقة المطلقة في الحادثة التاريخية التي يؤمن بها فئة من الناس، تستوجب على البشرية أن تضمن ذلك في دساتيرها إلى أن تقوم الساعة! وهذا فساد في التفكير ومخالف لاشتراطات تطور الحياة، بينما فكرة العدالة كإنصاف عند جون رولز ترتبط ارتباطا وثيقا بمآزق المجتمعات المعاصرة ونظمها الديمقراطية والليبرالية والاشتراكية في لحظة تطورها في الحياة المعاصرة.
@MohammedAlHerz3