وللقراء الكرام أقول من جديد أن تاريخنا وإرثنا الثقافي كنز مهول من المحتوى الذي يحتاج فقط إلى أمرين: كاتب سيناريو عبقري + مخرج بقدرات عالمية. وقد استفادت هوليوود -ولا تزال- من الإرث الشرقي والعربي في الخروج بأفلام تدر عليها مئات الملايين من الدولارات على مر السنين، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر «سندباد»، «علاء الدين والمصباح السحري»، وغير ذلك مما جاء في «ألف ليلة ولية» أو «أسمار الليالي للعرب مما يتضمن الفكاهة ويورث الطرب» وفقاً لناشره المستشرق البريطاني وليم ماكينغتن.
اليوم دعونا نستذكر بعض الشخصيات الموجودة تحديدا في إرث جزيرة العرب، ولم نجد حتى اليوم من ينبري لنصرتها ويظهرها للعالم بكل فخر، ومن تلك الشخصيات:
زرقاء اليمامة: شخصية عربية جاهلية لامرأة من أهل اليمامة، وكانت مضربًا للمثل في حدِّة النظر وجودة البصر، وقيل أنها كانت تبصر الأشياء على بُعد مسيرة ثلاثة أيام، وبهذه القدرة الخارقة أنذرت قومها في يوم ما بتبليغهم أن وفود حسان بن تبع الحميري قادمة إليهم، وأن الجيش الغازي مستتر بالأشجار، ولكن قومها -للأسف- اتهموها بالخرف ولم يصدقوها، وكانت النتيجة أن اجتاحهم الحميري وقضى عليهم، وقيل أن جنوده اقتلعوا عيني زرقاء اليمامة. ووردت سيرتها أيضا في أحد أبيات عظيم الشعر العربي، أبو الطيب المتنبي، والذي قال: وأَبصر من زرقاء جو، لأنني - إذا نظرت عيناي ساواهما علمي.
عنترة بن شداد: ذاك العبسي النجدي الذي كانت خطيئته الوحيدة أن ولد لأب من سادة قومه، وأم حبشية اسمها زبيبة! هل تتخيل أن يعيش الابن «عبداً» مملوكا لأبيه؟ ولولا أن ساقت الأقدار غزوة طيء لديار عبس، واحتياج القبيلة لمقاتل شرس يدفع عنهم ويلات الغزاة، لما نطق أبوه شدّاد عبارته الشهيرة «كرّ يا عنترة.. وأنت حُر»! وكيف لقصة عشق جمعته بعبلة أن تكون غائبة عن السينما التي يمكن أن تصدّرنا إلى العالمية؟ وكيف يغيب انفجار موهبة هذا الفارس الشعرية عن مشاهد من عالم الخلود؟
مجنون ليلى: وويل لمن لا يرق قلبه لقصة هذا المبدع التعيس، وهو الذي هام على وجهه في القفار يشكو صبابته وعثرات عشقه لليلى العامرية؛ وهو الآخر من بادية نجد، وفي رحلته حتى الجنون تأكيد على أننا لا ننتمي لفصيلة الوحوش الغادرة الميالة لسحق الإنسانية وسفك الدماء، بل نحن بشر نحب، ونعشق، ونلجأ للشعر أو الفنون الأخرى عندما نعجز عن التعبير؛ وفينا من يحتفظ بعقله.. وفينا من له نفس رقيقة قد تنكسر عند أول اختبار للصمود.
ولو طال بي المقام للتوضيح أكثر، فإن لي اليوم كل العذر في أن أحلم بفيلم عن أبوالطيب المتنبي، وعن الأعشى ومنفوحة بكل التقنيات الحديثة للسينما في عصرنا هذا، والمؤسف في كل هذا أن الغرب لن ينوب عن العالم العربي في تقديم هذه الروائع من القصص الإنسانية وإرثها وتاريخها عن عالمنا العربي.. والحقّ أننا بها أولى، وبها سنكسب الجولة، ونعيد تقديم أنفسنا إلى العالم بدلا من أن نكتفي بـ «استيراد العالم» لكي يقتنع بنا.
@abdullahsayel