وهذه اللغة تشكلت ومنذ آلاف السنين بالجزيرة العربية فيما يطلق عليه اليوم العلماء باللغة الجزرية، وقد أثبت العلم أنها كانت لغة بلاد الرافدين الأم، كما أنها تلك اللغة التي نطق بها شعوبا كانت تسكن الجزيرة العربية، وهناك إجماع بين العلماء أن شبه الجزيرة العربية هي الموطن الأصلي للشعوب الجزرية، ومنها انطلقوا إلى بقاع أخرى ليؤسسوا حضارات ازدهرت بالعالم القديم، والمدهش إثباتا وجود تلك المفردات العربية باللغة الأكدية القديمة ببلاد الرافدين والتي لا زلنا نفهمها اليوم، وكذلك باللغة القبطية والتي لا زالت بعض مفرداتها دارجة اليوم وليس فقط في مصر.
ولكي نوضح عروبة مصر بشكل آخر تخيلوا معي لوهلة أن أشكال وبشرة شعب مصر القديم الفرعونية كما باقي قارة إفريقيا. فهل يصح ذلك تاريخيا؟ وما يواجهه هؤلاء القائلين بأن شعب مصر أفارقة أقباط أن جميع البرديات والنقوش القديمة والتماثل في مصر ومنذ الفراعنة تدل على أن قدماء المصريين لهم أبدان ولون بشرة مختلف عن الأعراق الافريقية، وإن تمحصناها تتطابق مع السمات العربية، فإن قلنا انهم ليسوا عربا وكنا مخطئين فهل قدموا من القمر على سبيل المثال؟ وهل كان هناك نزوح بشري من شبه الجزيرة العربية إلى مصر في الأزمنة القديمة، وقد أشرنا إلى ان اللغة الاكدية القديمة لبلاد الرافدين أساسها الجزيرة العربية بما يعرف باللغة الجزرية، كما أن العلم أثبت أن بفترة تل العبيد بالعراق والتي سبقت كل تلك الحضارات القديمة جاء بها أول اكتشاف استخدام للحبوب بالزراعة كالقمح والشعير.
ألا نسأل أنفسنا كيف قدمت مع تقنيات زراعتها لمصر إلا أن يكون هناك نزوحا بشريا، ولا نتحدث هنا عن الهكسوس والذي أساسهم عرب الجزيرة وحكمت مصر القديمة قرابة 300 عام، ذلك يعني نزوحا بشريا مثبتا تاريخيا لعرب الجزيرة، ولا زال ينقص الباحثين تعميق تلك الشواهد الحضرية القديمة، إلا أننا بنفس الوقت نجهض القائلين بأن الأقباط ليسوا عربا ولدينا شواهد وأدلة والقائل بغيرة ليس لديه.
وتشير العلاقات القديمة بين مصر وبلاد الرافدين إلى أن مصر هي الأحدث عمرا والفرق بينهما يراوح 500 عام، كما أن المعبودات القديمة متشابهة وطرق الدفن في مصر عن بلاد الرافدين، وصناعة الفخار والتماثيل، وما هذه إلا قرائن للمدى التشابه والتقارب الحضري فان أخذنا الأنماط والأشكال والعنصر الإنساني لوجدنا أنها كانت لقوميات واحدة، ولا نقول هنا أن مصر القديمة هم أقوام قدمت من بلاد الرافدين بالضرورة، إلا أن شعب مصر حتما قدموا من وعبر بلاد الهلال الخصيب والذي أساسه عرب الجزيرة ولغتهم القديمة المعروفة بالجزرية.
يعتمد الغرب على التفرقة كأحد أسس السيطرة لكي يكونوا جماعات يستندوا إليها لغاياتهم، ومن طرقهم هو تشجيع التثبت أما بالعرق أو الطائفة أو بكليهما ليفرقوا كي يسودوا، ففي تركيا العثمانية على سبيل المثال عندما أرادت أن تدخل المفاهيم الغربية بإدارة الدولة، ساندت بريطانيا حزب تركيا الفتاة إلى أن استطاع اجهاض الدولة، هذا الحزب من معتقداته الرئيسة أن الاتراك عرق وليس لغة والعكس صحيح، وما نشاهده في مصر من تلك الأقوال بأن الأقباط ليسوا عربا إنما هي محاولات بنفس الطريق، فمصر عربية مهما قيل وبالشواهد التاريخية وبالعلوم الإنسانية والله الحامي لمصر.
@SaudAlgosaibi