بالنسبة لي الإرادة في التعبير عن موقف بأثر رجعي، هي ما يدفعني إليه ، والإرادة هنا لها أوجه عديدة، أهمها القلق والانخطاف – ليس بالمفهوم الصوفي – والتوقف عن الممارسة اليومية للحياة المعتادة.
لست من الشعراء الذين يكتبون بسرعة البرق للتعبير عن حدث أو موقف أو تأمل لحظي وراهن. نحن جميعا معرضون مثلما البشر جميعا للحزن والفرح والألم والوحدة والمأساة والفقد، وكل شاعر حسب استعداده النفسي والذهني وحسب موهبته وثقافته يكون القول الشعري مطابقا لهذا الاستعداد أو للموهبة، أنا من تلك الفئة من شعراء يعيشون الصدمة في تلقي هذه العوارض، قد تطول هذه الصدمة زمنيا أو تقصر، لكنها بالنهاية تتحول إلى نص بعد أن تكون استقرت في الذاكرة، وتطبعت بآلياتها، وهذا الاستعداد عند كل شاعر وثيق الصلة بالنوع الشعري الذي تكتبه بالخصوص حين تريد الحديث عن قناعاتك عنه، فمثلا أميل دائما إلى الحديث عن قصيدة النثر باعتبارها صندوقا مملوءا بالذهب والألماس محكم الإغلاق وقع بين يدي، وكلما حاولت أن أفتح واحدا من أقفاله العديدة، يتعذر عليّ، تكرار المحاولة للوصول إلى هذا الكنز هو الذي علمتني إياه قصيدة النثر، كون هذه القصيدة لا تملك سمات جاهزة كعلامات على الطريق ترشد السالك كي لا يضيع.
قد يكون الكنز متوهما ولا يوجد سوى في الخيال، لكنه ابتكر لي طريقا للبحث والفضول المعرفي الأدبي، وأصبح الحافز القوي في محاولة فهم النص والإنسان والعالم، صحيح أن الشعر كدافع في إحدى وظائفه يحررنا من المكبوت النفسي والأحاسيس المتجذرة في الروح، لكنه من جانب آخر يعمق الهشاشة في روح الشاعر، خصوصا إذا كان الشاعر هشا وضعيفا في بنيته النفسية والجسدية وهشا في بنائه العائلي، مما يؤدي به إلى الشقاء والانتحار.
أيضا هذا النوع من الهشاشة يرتبط بولادة القصيدة مثلما ترتبط الأم بولادة طفلها، ألم ووجع حسي يقابله ألم ووجع مجازي في ولادة القصيدة، لكنهما بالنهاية يتحول هذا الوجع عندهما إلى فرح وجودي.
أيضا من الأسئلة النوعية في هذا الإطار ما النظرة إلى اللغة وكيف تتعامل معها من منطلق شعري ؟
بالنسبة لي تعلمت أن كل لغة مثقلة بحمولاتها التاريخية، وكل كلمة داخلها لها تاريخ مثقل بالمعاني والتأويلات والتفاسير، فك الارتباط بهذه الحمولات ووضعها في سياقات مختلفة من الكتابة الشعرية هي التي جعلتني منذ بداياتي بالكتابة الشعرية السوريالية، ومن هذا الباب كتبت نصوصا محاولا أن أضع الكلمات في أفق مختلف من معانيها، هذا الأمر أعطى سهولة كما قلتِ في تطويع اللغة، لكنه أدخلني في متاهة الغموض وأيضا أدخلني في متاهة التفكير اللغوي والذاكرة الثقافية فقط.
لكن لا حقا استوعبت معنى أن تكون اللغة هي «بيت الوجود»، كما قال هيدجر، وأن تكون اللغة هي السلطة التي نحقق من خلالها شرط وجودنا في الحياة. لذلك حينما أكتب القصيدة يكون صراعي في استدعاء اللغة مرتبطا بهذا الفهم العميق للغة. يضاف إلى ذلك حين تستدعي اللغة إلى النص، فأنت تستدعي بالدرجة الأولى أسلوبك في التعامل مع الأشياء من حولك ومن ضمنها اللغة، ألم يقل رولان بارت الأسلوب هو حياتك ؟.
@MohammedAlHerz3