عندما نقرأ سيرة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم نرى علاقة محورية مميزة مع أقاربه حتى مع اختلاف الدين، ولذلك كانت نصرة عمه أبي طالب له مشهودة، وهذا ما أقلق قريشاَ فذهبوا إلى العم وجاءوه بأسلوب يجمع الحكمة والجدية والتحدي والتهديد، فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسَفَّه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه.
فردهم أبو طالب بأسلوب جميل، وترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو إليه، فلم تصبر قريش ورجعوا مرة أخرى إلى أبي طالب بأسلوب أغلظ وأقسى وقالوا: يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين.
هل تخلى هنا أبو طالب عن ابن أخيه؟
لقد بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال له: يا بن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق.
فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمه سيخذله، وقال: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ـ حتى يظهره الله أو أهلك فيه ـ ما تركته، ثم استعبر وبكى، وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، وقال: اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أُسْلِمُك لشيء أبدًا وأنشد:
والله لن يصلوا إليك بجَمْعِهِم ** حتى أُوَسَّدَ في التراب دفينًا
قريبك سندك فلا تتخلى عنه مهما حصل.
@shlash2020