ومع أهمية ذلك يرصد المراقبون والمهتمون بتنمية وتعزيز القيم الانفصام النكد بين المعرفة والقيم والأخلاق؛ ليصبح التعليم بذلك عديم الجدوى، وصفري القيمة، وسلبي الأثر بارتفاع معدلات السلوكيات السيئة ذات العواقب الوخيمة المنتهية في أحيان كثيرة بالاعتداء على الحقوق الخاصة والعامة تحت ذرائع واهية، وحريات مزعومة من جيل يتسلى بالجهل والعلم النظري الأجوف، يتسم بالازدواجية في تبنيه لحال مثالية داخل المؤسسات التعليمية، والتنكر لها عند مغادرة تلك المؤسسات؛ لافتقاد التربية لعناصر التنمية والمزج ما بين المعرفة والقيم.
فالتربية لا تتمثل في مدى اهتمامنا بتزويد المتعلم بالمعارف النظرية المعزولة، وحشو العقل بها لتتنظر مصيرها المجهول، والذي للأسف تسعى خلفه عدد من المؤسسات التعليمية، وإنما التربية تكمن في مقدرتنا على صناعة الفرد المتسلّح بالعلم والمعرفة، والمعتز بهويته وثقافته، وذي الأثر في محيطه ومجتمعه بقيمه وأخلاقه؛ والذي يبرز أهمية الدور التكاملي بين المؤسسات التعليمية والمجتمع ككل لتحقيق ذلك. فعندما نزاوج بين تزويد الفرد بالمعارف وتعزيز قيمه وأخلاقه، نكون بذلك وفقنا في نقلنا للتعليم من ضيق التلقين والتقليد والاجترار إلى رحابة الفعل والاجتهاد والبناء والنماء.
ولنحقق ذلك لابد من تحفيز المتعلم على ممارسة ما تعلمه نظرياً واقعاً عملياً داخل المؤسسة التعليمية عن قناعة شخصية بجدوى وأهمية تلك المعارف النظرية في تحقيق الرقي والتميز للفرد والمجتمع؛ مما يدفعه لنقل تلك الممارسات خارج أسوار المؤسسات التعليمية وتأصيلها لدى الآخرين.
وأخيراً، فالعناية بالتوازن في تقديم المعرفة ذات القيمة النوعية والأهمية المطلوبة للمجتمع؛ والتوازن بين العرض المدرسي والطلب المجتمعي، وبين التحصيل الدراسي والأثر الإيجابي الاجتماعي، يسهم في صناعة جيل فريد يدرك مسؤوليته الشخصية تجاه نفسه وتجاه مجتمعه.
فبناء الفرد صناعة إبداعية ومركبة يسهم فيها كل أطياف المجتمع؛ إلا أنها متى ما أصبحت حكراً على جهة بعينها تلتزم بأحقيتها في تقديم التعليم دون مشاركة مؤسسات المجتمع بكافة أطيافه؛ وبهذا يتسم الجيل بالهشاشة، وذوبان الهوية، والتمرد على القيم والمبادئ والأعراف والتقاليد تحت ذريعة الحداثة والمعاصرة؛ فلا الأصالة حُفظت ولا المعاصرة والعالمية تحققت.
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
@mesfer753