كذلك كان حال العثمانيون السلاجقة بعد استيلائهم على البلاد العربية فأرادوا مسخ الهوية العربية وثقافتها فأبدلت بكونها إسلامية ومسخت عروبتها ليدخلوا فيها بمفهوم الخلافة بفقدان أصول تلك الأمجاد العربية، وهو شيء شهدناه في مساجد اسطنبول القديمة من كتابات على الجدران تنقص من عدد الخلفاء وتمحو ذكر من بعهدهم، وصرنا نتحدث كتاريخ عن الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، وثم في بعض أركانها بالدولة الفاطمية وكأنهم كيانات منفصلة لا جزء من أصل واحد رغم الاختلافات بأساليب الحكم ونمطه بينهما، فهم جمعا دولا عربية بهوية إسلامية وليس العكس وهو ما إرادة العثمانيون بدعواهم أنهم خلفاء.
والكارهون للعرب كثير كذلك هي الأطماع بالبلاد العربية، ولا زالت دولة العجم تحاول العودة لأمجاد فارس وعبر العرب بدلا من التعايش السلمي، ولا زال الغرب عبر المناهج والوسائل التعليمية والإعلام يحاول تقليص الأمجاد العربية وما خلف العرب بإسلامهم من إرث وحضارة، فهي حرب نخوضها تحاول مسخ الهوية العربية وتاريخها، ولا نقول ذلك من قبيل الإنشاء والعواطف فقد خبت نور العرب بعد ذاك الاحتلال العثماني الأول ورغم كفاح إمارة الجبور قبلة ضد البرتغاليين ومن نجاحات لوقف تمددهم بالخليج العربي ودون أية دعم من أية قوى خارجية.
كذلك كان حال الدولة السعودية الأولى بتوسعها بعد تلك الفترة فأخافت الغرب والعثمانيين على حد سواء، وقد جاء تأسيسها بمثابة الصدمة لهذه القوى فتحالفت بينها لإسقاط هذه الدولة الوليدة التي تلاحم معها عرب الجزيرة كافة وفرضت الأمن وأولدت الرخاء والاستقرار لمواطنيها، وما جاءت جيوش محمد علي باشا من مصر رغم التكلفة الباهظة لهذه الحملة من أجل غنائم أو ثروات فلم يكن بها، إلا أن أرادت القضاء على أية قوى منافسة للدولة العثمانية المحتلة للبلاد العربية، دلالات ذلك الدمار التي خلفته تلك الحملة بمنطقة نجد من قتلهم لعلمائها ولساستها وقطع نخيلها وسلب كتبها وتدمير أسوار بلداتها. ومن دمار شامل لعاصمتها الدرعية حتى أصبحت أنقاضا وكأنها لم تكن، ولا يولد ذلك العمل إلا الانتقام والخوف الشديد والهلع من استمرار هذه الدولة فليس هو بهذا الفعل من الإسلام بشيء أو من الخلافة المزعومة.
وبأسباب شناعة ذاك الدمار الذي حل بالمنطقة لم يصلنا الكثير مما كان في تلك الأحداث الدامية من أخبار، إلا أن ما كتب عنها ووصلنا منها يظهر لنا لوحة تصف لنا كرؤوس أقلام عما جرى من أحداث، إلا أنها كافية لترشدنا عن توجه ونوايا هذه القوى المعادية لإقامة الدولة السعودية الأولى وتوحد الجزيرة. ولا زلنا نعثر كل فترة وفترة عن كتب مفقودة، فتأتي لتسرد لنا بعض ما فقد من سرد لحوادث في تاريخنا تضيف ألى الذاكرة الوطنية، وكأحد الكتب المجهولة عن تلك الفترة الزمنية كتب الشيخ أحمد بن عبدالله القصيبي في تاريخ نجد، وهو من أعيان بلدة القصب وكان معاصرا للدولة السعودية الأولى ومبايعا لها، وافاه الأجل سنة 1235ه، والتي إن شاء الله متى ما نشرت ورأت النور سوف تضيف ولو جزء يسير مما جاء من أحداث وتلهب المهتمين بالتاريخ وبالأبحاث والدراسات العلمية.
@SaudAlgosaibi